فى أوروبا حين يدشن ضباط الشرطة -عقب خروجهم من الخدمة- شركات التحقيقات الخاصة فإنهم يعرضون على عملائهم قائمة من الخدمات السرية لا تستطيع جهة أخرى القيام بها كأعمال المراقبة والتجسس والتنصت، وقد تصل لاختراق الهواتف والخوادم.. وكل هذه الأمور هى، بطبيعة الحال، أعمال مدفوعة الأجر وتعتبرها شركات التحقيقات الخاصة محض عمل بحت على أرضية Business is business.
هذا بالضبط ما تحدثت عنه صحيفة «كورييرى ديلا سيرا» التى أشارت لفتح أجهزة الأمن الإيطالية تحقيقاً اتهمت فيه عنصرين إسرائيليين -تعتقد أنهما عميلان لصالح جهاز الموساد- بعد حصولها على معلومات من إحدى شركات التحقيقات الخاصة.
أجهزة الأمن قالت إنها عثرت على 800٫000 ملف فى قبو هذه الشركة التى استطاعت التجسس منذ عام 2019 وحتى الآن على حياة السياسيين والحكوميين والرياضيين بهدف الابتزاز، وعلى رأسهم رئيسة الوزراء جورجيا ميلونى، والرئيس الإيطالى سيرجيو ماتاريلا ورئيس مجلس الشيوخ إجنازيو لا روسا.
التقرير أكد أن العميلين الإسرائيليين اعتادا التعامل مع شركة Equalize (الواقعة فى مدينة ميلانو) التى قدمت لهم معلومات عدة منذ عام 2019 حتى الآن.. وكان على رأسها معلومات مفصلة عن عمل شركة الغاز الحكومية الإيطالية «إينى» وكميات وموانئ وأماكن تخزين الغاز الإيرانى ومعلومات متعلقة بالتجارة غير المشروعة فى الغاز مع إيران، وتمويل وأنشطة شركة فاغنر الروسية داخل أوروبا التى تُعد الذراع العسكرية (غير الرسمية) للكريملين.
وذكرت التحقيقات أن الإسرائيليين سعيا لوقف تمويل مجموعة فاغنر الروسية.. وعرضا معلومات سرية عن عمليات تمت لشراء الغاز الإيرانى مقابل مليون يورو.
كما أشارت لطلبهما معلومات حول الهجمات الروسية، التى قام بها قراصنة مقربون من جهاز الاستخبارات الروسى (KGB) ومعلومات مفصلة متعلقة بميزانيات وطبيعة عمل الشركات الروسية فى أوروبا ذات الطبيعة الخاصة، وامتدت المعلومات المسربة لتفاصيل دقيقة عن الحياة الشخصية للزعيم السياسى البارز ماتيو رينزى، والمطرب الإيطالى أليكس بريتى، وبطل أولمبياد 2020 فى سباق 100 متر مارسيل جاكوبس.
وفقاً لما نشرته «جيروزاليم بوست» العبرية فإن المدعى العام الإيطالى أمر باحتجاز أربعة أشخاص على ذمة هذه القضية، بينما يخضع عشرات آخرون من الضباط العاملين والسابقين فى الشرطة للتحقيق، بعد العثور على آلاف الصفحات التى توثق المكالمات الهاتفية والاجتماعات والأدلة التى تم جمعها فى شركة Equalize، ويُعد المتهم الأبرز فى هذه القضية خبير تكنولوجيا المعلومات (نونزيو سامويل كالاموتشى) البالغ من العمر 44 عاماً الذى قال فى التحقيقات إن الإسرائيليين لم يكونوا يتصرفون بالنيابة عنهم فحسب، بل بالنيابة عن وكالات استخباراتية أخرى، واعترف بمساعدة الضباط الحاليين والسابقين فى اختراق الهواتف والحواسب والخوادم الحكومية بهدف الوصول لقواعد بيانات الشرطة والمؤسسات.. ثم بيعها للعملاء الإسرائيليين.
اللافت للنظر أسعار المعلومات التى تراوحت قيمتها على حسب قيمة الشخص والتى بدأت (كما ذكر فى التحقيق) من 250 يورو لاختراق هاتف شخصى وصولاً لعشرات الآلاف على حسب الشخصية وقيمة المعلومة.
وصفت رئيسة الوزراء جورجيا ميلونى هذه الفضيحة بأنها «تهديد للديمقراطية»، بينما دعا وزير الدفاع «جويدو كروسيتو» إلى تحقيق برلمانى عاجل، معبّراً عن قلقه من احتمال تعرُّض أسرار الدولة للخطر.
وأشار إلى أن المعلومات المسربة ليست سوى «قمة جبل الجليد»، وأن هناك مخاوف أعمق حول حجم البيانات التى قد تكون وصلت لأطراف خارجية.
تناولت وسائل الإعلام الإيطالية القضية بوصفها «مؤامرة على أعلى المستويات»، وتكهنت بوجود تواطؤ بين المافيا الإيطالية ومسئولين فى أجهزة الاستخبارات، وأطراف أجنبية، بما فى ذلك الموساد، وقد أثارت هذه القضية تساؤلات عدة حول طبيعة عمل الشركات الخاصة فى أوساط السلطات الإيطالية التى لم تؤكد حتى الآن خبر القبض على العميلين الإسرائيليين.
بينما تحدثت الصحف الإيطالية عن سيناريوهات الاستفادة المتوقعة من هذه المعلومات حين وقوعها فى يد جهة أجنبية يمكن بها ابتزاز المسئولين ومعرفة أسرار الدولة، لا سيما المتعلقة بحقول الغاز التى تديرها شركة إينى حول العالم التى تستطيع العمل فى أماكن لا يمكن لنظرائها فى بريتش بتروليوم البريطانية أو توتال الفرنسية أو أكسون موبل الأمريكية العمل فيها على الإطلاق.