كل الشواهد تؤكد أن «قصة الانتخابات» لاختيار الرئيس رقم (47) للولايات المتحدة الأمريكية لن تنتهى عقب إغلاق صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء (الكبير) الموافق الخامس من نوفمبر الجارى. الموعد الراسخ لأهم حدث سياسى ينتظره العالم، فالتقارب الكبير بين المرشحين الرئيسيين (كامالا هاريس ودونالد ترامب)، وفق استطلاعات الرأى الأخيرة، يرشح القصة إلى مزيد من الفصول التى ربما تؤخر إعلان نتيجتها النهائية، وقد تفاجئنا فصول أخرى مثيرة عقب حسم النتيجة لصالح أحد المرشحين.
وأتفق مع ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» فى أن «من يظن أنه يعرف ما سيحدث يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، إما أنه مخدوع أو بالغ الذكاء»، فالانتخابات الأمريكية هذه المرة تحمل عوامل التشويق المضاعف والإثارة المتكاملة، فهى تمثل الفرصة الذهبية الثانية للمرأة الأمريكية، لتنتزع فيها منصب الرئيس للمرة الأولى، فشلت هيلارى كلينتون سنة 2016، فيما يداعب الطموح كامالا هاريس، مرشحة (الصدفة) عن الحزب الديمقراطى، لتصبح فى 2025 أول امرأة تسكن البيت الأبيض وهى تشغل وظيفة «الرئيس»، فى حين يُمنى ترامب النفس بأن يصبح ثالث رئيس أمريكى يتمكن من العودة إلى السلطة بعد أن فقدها.
ثلاثة لا رابع لها
وتنحصر احتمالات النتائج فى انتخابات الرئاسة الأمريكية بين ثلاثة لا رابع لها، أما الأول والثانى فيمثلان فوز أى من المتنافسين، وأما الثالث فهو الاحتمال الصعب، فالتعادل بين المرشحين لا محل له فى هذه الانتخابات، وهو أمر لم يحدث فى التاريخ غير مرة واحدة، سنة 1800 فى السباق بين توماس جيفرسون وآرون بير.
واستناداً إلى لعبة الاحتمالات، فإنه فى حال فاز المرشح الجمهورى دونالد ترامب، سينتهى الحدث وتبدأ الحوادث والمغامرات، ويستعد العالم ويربط الأحزمة ليعيش طرائف وعجائب الولاية الترامبية الثانية. أما فى حال حسم النتيجة لصالح المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، فإننا أمام واقع معقد للقصة، حدوده وأبعاده ستكون متغيرة، وكل الاحتمالات فيه واردة، خاصة إذا استدعينا ذكريات ما حدث فى انتخابات الرئاسة السابقة سنة 2020 والتى انتهت بفوز الرئيس الحالى جو بايدن.
أما فى حال التعادل بين المتنافسين، وهو نتيجة لا تحدث عملياً، ولكن من الناحية النظرية يمكن أن تكون النتيجة 269-269 فى المجمع الانتخابى، حينها ووفقاً الدستور الأمريكى يجرى ما يسمى بـ«الانتخابات الطارئة» التى يحسمها الكونجرس، من خلال الإدلاء بصوت واحد عن كل ولاية، وسيكون الفوز من نصيب الحزب الذى يسيطر على أكبر عدد من النواب وفق نتائج انتخابات 2024، التى تجرى بالتوازى مع انتخابات الرئاسة الحالية.
الولايات المتأرجحة
واتفق كثيرون على أن كلمة السر للفوز فى انتخابات أمريكا 2024، هى «الولايات المتأرجحة» السبع: أريزونا وجورجيا وميشيغان ونيفادا وكارولينا الشمالية وبنسلفانيا وويسكونسن، وتملك هذه الولايات السبع مجتمعة 93 صوتاً فى المجمع الانتخابى، الذى يصوت أعضاؤه لاختيار الرئيس من إجمالى 538.
وسُميت هذه الولايات بـ(المتأرجحة) لأنها لا تملك فى الانتخابات الرئاسية توجهاً ثابتاً نحو حزب سياسى محدد (الديمقراطى أو الجمهورى)، بمعنى أن الأصوات فيها تتأرجح بين الحزبين من انتخابات لأخرى، مما يجعلها ساحة معركة حاسمة، لهذا حرص كلا المرشحين على تكثيف دعايته الأخيرة بين هذه الولايات، وقد أظهرت استطلاعات رأى أخيرة تفوُّقاً نسبياً للمرشحة الديمقراطية هاريس فى أغلب هذه الولايات.
هزيمة ترامب
لا تزال تداعيات هزيمة ترامب فى 2020، هى أكثر ما يُقلق المجتمع الأمريكى ويؤرقه، فالمرشح الحالى والرئيس السابق لا يتقبل الهزيمة، وإنكاره لها فى الانتخابات السابقة أحدث استقطاباً عميقاً، وفجَّر شكوكاً حول التجربة الديمقراطية الأمريكية. وهذا ما أكده دونالد نيمان، المحلل السياسى لدى جامعة بينغهامتون الأمريكية، لوكالة الصحافة الفرنسية، قائلاً: «إذا خسر (ترامب) هذه المرة، فإنه سيدّعى وجود تزوير وسيقوم بكل ما فى وسعه لتغيير النتائج، وسيرفض حضور مراسم تنصيب هاريس»، مضيفاً: «هو رجل لا يقبل الخسارة بصدر رحب، ويرفض الاعتراف بهزيمته».
فيما حذر جون بولتون، مستشار الأمن القومى السابق فى إدارة ترامب، من أن الرئيس السابق لن يقبل بنتائج الانتخابات إذا خسر، وقال مشدداً فى حواره مع شبكة «سى إن إن»: «أعتقد أن الجميع يجب أن يكونوا مستعدين لأن ترامب لا يخسر أبداً، وإذا خسر فسيعتبر أن منصب الرئاسة سُرق، وسيكون الأمر صعباً».
وهكذا يتأهب ترامب ومناصروه لاختطاف النصر بكل السبل، حتى لو استدعى الأمر إعلانه مبكراً، رغم تأكيدات بأن عملية فرز الأصوات فى الانتخابات الأمريكية تستغرق أياماً. وأوضح قيادى بحملة هاريس لـ«رويترز» أنهم وضعوا خطة فى حال أعلن ترامب (زوراً) فوزه مبكراً فى الانتخابات قبل إعلان النتيجة النهائية.
مؤكداً أن هذا خطر يتحسب له الديمقراطيون. ولا شك أن الإعلان المبكر للنتيجة ربما يفجر الأوضاع، خاصة إذا كانت النتيجة الرسمية عكس ما يعلنه ترامب بفوز هاريس.
وهذا سيناريو وارد الحدوث، خاصة أن ترامب قد فعلها من قبل فى انتخابات 2020 وأعلن فوزه قبل النتائج الرسمية، ولا شك أن تكرار الأمر سيدفع الولايات المتحدة إلى متاهة سياسية خطيرة لن تتخطاها بسهولة.
وفى السياق ذاته، فقد أكد حاكم ولاية واشنطن أنه «وجَّه باستعداد الحرس الوطنى ليكونوا فى حالة تأهب، بعد معلومات ومخاوف بشأن أعمال عنف محتملة مرتبطة بانتخابات 2024».
وكانت واشنطن واحدة من ولايتين أُضرمت النيران فى صناديق الاقتراع بهما فى وقت سابق وقبل أيام من موعد التصويت.
فوز ترامب
ولا فارق فى تهديد ترامب للديمقراطية فى حال هزيمته أو فوزه، فهو فى كلتا الحالتين من وجهة نظر كثيرين يمثل خطراً، وهو ما يؤكده توقيع أكثر من 300 خبير اقتصادى أمريكى على رسالة مفتوحة تنتقد الرؤية الاقتصادية للمرشح الجمهورى دونالد ترامب، وتحث الناخبين على عدم التصويت له فى الانتخابات الرئاسية وإعادته إلى البيت الأبيض، مؤكدين أن الرئيس السابق يشكل «تهديداً للديمقراطية»، مستشهدين بـ«تحذيرات مروعة» من أولئك الذين خدموا فى إدارته الأولى.
أما صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، فأشارت إلى أن ترامب عندما سُئل عما إذا كانت الانتخابات ستنتهى بالعنف، فإنه أجاب قائلاً: «يتوقف الأمر على النتائج»، مؤكدة أن «عدم ثقة العديد من الأمريكيين فى نظام التصويت يعود فى الغالب إلى الرئيس السابق».
وبحكم تخصصها الاقتصادى لم تنسَ الصحيفة أن تشير إلى برنامج ترامب فى هذا المجال، إذ يعتزم فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على جميع الواردات، و60% على السلع القادمة من الصين، وهو ما اعتبرته الصحيفة معاناة للمستهلك الأمريكى الذى سيتحمل معظم تكاليفها من خلال ارتفاع الأسعار، كما نقلت الصحيفة عن تقديرات صندوق النقد الدولى بأن هذا «التحول» سيؤدى إلى خفض النمو الاقتصادى الأمريكى.
أعداء الداخل
وكان الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترمب صريحاً فى تعهُّده باستخدام سلطته إذا فاز فى الانتخابات الرئاسية للانتقام من الأمريكيين الذين يعتقد أنهم أساءوا إليه. وخلال الأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات قدَّم وعوداً بسحق من وصفهم «أعداء داخل أمريكا»، وأثار أسلوبه الغامض والعشوائى فى الحديث جدالاً عنيفاً حول من يقع على وجه التحديد فى مجموعة «الأعداء»، واستعرض موقع (أكسيوس) الأمريكى قائمة بالأشخاص والمؤسسات، بما فى ذلك بعض مستشاريه السابقين، وهم الأعداء المفترضون الذين توعَّدهم بالسجن أو الملاحقة القضائية أو عقوبة أخرى.
ويعتلى القائمة أسماء مثل الرئيس الحالى جو بايدن، والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، والرئيس الأسبق باراك أوباما، ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسى بيلوسى، والنائبة السابقة فى مجلس النواب ليز تشينى، والجنرال المتقاعد مارك ميلى، ومالك شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ. بالإضافة إلى عدد من وسائل الإعلام، منها شبكات «ABC» ،«CBS» ،«NBC»، وموقع «Google».
خطة طوارئ فى أوروبا
ترى صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تنذر بنهاية الديمقراطية الأمريكية، فيما تضاربت الآراء داخل المجتمع الأوروبى حول مصير علاقات الولايات المتحدة الأمريكية فى حال فوز ترامب على هاريس، المدهش أن هناك أصواتاً تحدثت إيجابياً، مؤكدين أن فوز ترامب ربما يزيد من فرص تحقق السلام مع روسيا بسبب علاقته القوية مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وقد اختبر الأوروبيون ترامب فى ولايته الأولى وسمعوا عن برنامجه فى الولاية الجديدة حال فوزه، وهو ما استدعى أن يضع الاتحاد الأوروبى خطة طوارئ استعداداً لعودته إلى البيت الأبيض.
ويمكن أن نلخص القلق الأوروبى من ترامب فى ثلاثة أسباب، أولها الخوف من استمرار تدهور القيم الديمقراطية فى الولايات المتحدة وتأثير ذلك على النظام الدولى. أما السبب الثانى فهو القلق من تأثيرات فوز ترامب على الأمن الأوروبى لأن الدعم الأمريكى ما زال حيوياً بالنسبة لكل من حلف الناتو وأوكرانيا. وأخيراً يرى الأوروبيون أن ولاية رئاسية جديدة لترامب يمكن أن تكون كارثية للعلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى.