أستطيع القول إن هناك خيارات عربية وإسلامية كثيرة غير التنديد والشجب فى حالة نجاح القمة العربية الإسلامية الاستثنائية، التى سوف تُعقد فى الرياض الاثنين القادم. هذه التوقعات لم تأتِ من فراغ، ولكن هناك الكثير من العوامل التى تؤكد أن القمة العربية الإسلامية الاستثنائية سوف تنجح هذه المرة فى إيجاد موقف قوى يُحرك المياه الراكدة فى الشرق الأوسط، خاصة أن الوضع الحالى أظهر أن العالم بأكمله لا يستطيع أن يفعل شيئاً أمام المجازر الوحشية، التى تقوم بها إسرائيل فى كل من غزة ولبنان ويقف موقف المتفرّج.
الهدف من هذه القمة هو توحيد الصفين العربى والإسلامى فى ظل التصعيد الإسرائيلى فى غزة والتأكيد على التضامن مع الشعب الفلسطينى. القمة جاءت بدعوة من المملكة العربية السعودية وبدعم فلسطينى، وتستهدف إقرار خطوات سياسية وإنسانية للضغط من أجل وقف العنف والحرب فى غزة ولبنان، وتحقيق الأمان للمدنيين.
ومن المتوقع أن يشارك فى القمة العربية الإسلامية الاستثنائية بالرياض، التى دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، قادة ومسئولون من الدول الأعضاء فى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى. وعلى رأس الزعماء العرب والمسلمين الرئيس عبدالفتاح السيسى، وعدد من القادة العرب، ومنهم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، إلى جانب ممثلين عن السلطة الفلسطينية وأعضاء من عدة دول إسلامية أخرى.
تأتى القمة فى موعد متميز للغاية إذ إن القمة جاءت فى الوقت الذى وصل فيه إلى الحكم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، كما أنه جاء فى وقت خرجت فيه الأمور عن نصابها تماماً فى المنطقة، وأصبح الموضوع أخطر مما كان عليه سابقاً، فهناك شعب يباد فى غزة، وشعب آخر يهجّر من دياره اللبنانية، التى هدّمت فى أسوأ قصف وحشى على المدنيين فى لبنان، وفى الوقت نفسه فإن إسرائيل تعانى، شاءت أم أبت، من موقف فى منتهى الصعوبة بعد أن تضرّر الاقتصاد القومى بشكل غير مسبوق، ووصلت الصواريخ إلى تل أبيب وعجزت القبة الحديدية عن صدّها، وعاش أكثر من مليون إسرائيلى فى المخابئ، وتنطلق صفارات الإنذار فى كل ساعة تقريباً وسط أنباء تتردد بأنه لم يتبقّ سوى 50 من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، وأن معظم الأسرى ماتوا، الأمر الذى جعل الشارع الإسرائيلى يقف ضد نتنياهو، كما أن هناك بلبلة خطيرة فى الجيش الإسرائيلى بعد أن تمت إقالة وزير الدفاع، كل هذه الأوراق المبعثرة لا يمكن أن نخرج منها بمعادلة سلمية أو عودة الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، إلا إذا كان الطرف الثانى، وهو الطرف العربى، على أعلى مستوى من اليقظة والإصرار والقدرة على التحدّى واتخاذ القرارات، ولذلك فلقد أحسنت المملكة العربية السعودية فى أن تختار هذا الوقت تحديداً لعقد القمة، وإذا كان الإسرائيليون يعتقدون أن ترامب هو الحليف الأقوى والأفضل لهم، وأن تصريحاته السابقة بأن إسرائيل مساحتها صغيرة، ولا بد من توسيعها، والتوسيع طبعاً يأتى على حساب الدول العربية المجاورة.. فهى مخطئة تماماً، فالرئيس المنتخب ترامب استفاد من تصريحاته السابقة فى أن يحصل على الأصوات اللازمة من اللوبى اليهودى فى أمريكا، وهو الآن كما هو معروف عنه رجل اقتصاد و«بزنس مان» من الطراز الأول قبل أن يكون رجل سياسة، فهو يتّخذ القرارات التى فى صالح الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً فقط، ويريدها أن تستمر فى كونها أقوى قوة اقتصادية فى العالم، وبالطبع فإن مصلحتها مع الدول العربية، والتى يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من العلاقات الاقتصادية والتجارية معها، أما إسرائيل فلا تستفيد منها أمريكا، بل إنها تنظر إلى أمريكا على أنها البقرة الحلوب التى يجب أن تحلبها لصالحها، ولا تكتفى بحليبها فقط، بل إن أمكن تكون دماؤها أيضاً.
كانت القمة السابقة التى دعت إليها الرياض فى التاريخ نفسه 11 نوفمبر 2023، وقد تضمّن البيان الختامى للقمة العربية الإسلامية قراراً بكسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فورى، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة فى هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، وهو الأمر الذى لم يعُد كافياً الآن.. فهل هذه القمة ستُؤتى ثمارها بوقف العدوان الإسرائيلى على غزة، وإنهاء الحرب فيها، ووقف تهجير اللبنانيين، قبل أن تُصبح مقبرة جماعية لأهلها مثل غزة؟ هذا ما سوف نراه الاثنين المقبل.