فى منتصف عام 1972، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تحقيقاً يتهم إدارة الرئيس الأمريكى آنذاك، ريتشارد نيكسون، بالتجسس على مكاتب الحزب الديمقراطى، أثناء معركة الرئيس الجمهورى للفوز بفترة رئاسية ثانية، أمام مرشح الديمقراطيين جورج ماكجفرن، وبعد الكشف عن تلك الفضيحة، المعروفة باسم «ووترجيت»، أصبح اسم الصحفى بوب ودوارد، الذى لعب الدور الأكبر فى تفجير هذه القضية، واحداً من أبرز الصحفيين فى التاريخ الأمريكى، بعد حصول صحيفة «واشنطن بوست» على جائزة «بوليتزر» فى مجال الخدمة العامة والصحافة عام 1973، وفى التاسع من أغسطس 1974، اضطر الرئيس نيكسون، وهو الرئيس 37 للولايات المتحدة، إلى تقديم استقالته، كما خضع للمحاكمة، إضافة إلى عدد آخر من كبار المسئولين فى إدارته، إلى أن أصدر الرئيس المعين جيرالد فورد عفواً رئاسياً عنه فى سبتمبر من نفس العام، الأمر الذى أثار غضب الديمقراطيين ضد الرئيس 38، وهو أيضاً أحد قيادات الحزب الجمهورى، الذى يتخذ من «الفيل الأحمر» شعاراً له، بينما يتخذ الديمقراطيون «الحمار الأزرق» شعاراً لحزبهم.
وفى عام 2024، عاد نفس الصحفى الأمريكى لينشر كتاباً جديداً بعنوان «حرب»، الذى جاء كمحاولة لإنقاذ شعبية حزب «الحمار الأزرق»، التى تدهورت بشكل كبير خلال إدارة الرئيس جوزيف بايدن، الرئيس 46، بعد تزايد المؤشرات على أن الرئيس السابق، دونالد ترامب، مرشح حزب «الفيل الأحمر» فى طريقه للفوز بمعركة الانتخابات الرئاسية، حيث لجأ ودوارد، فى كتابه الذى أصدره منتصف شهر أكتوبر، أى قبل أيام قليلة من الانتخابات التى جرت فى 5 نوفمبر، إلى إظهار المرشح الجمهورى وكأنه «شيطان» يسعى إلى تحويل العالم إلى جحيم، بينما حاول تصوير الرئيس بايدن وكأنه «حمَل وديع»، سعى حثيثاً مع فريقه الرئاسى إلى إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتبنى مواقف تدعم كييف، فى مواجهة «الدب» الروسى، كما سعى الكاتب إلى الترويج لتحذير مستتر، ضمن كتابه «حرب»، من أن عودة ترامب، الذى تربطه علاقة صداقة مع الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، إلى البيت الأبيض، سوف يكون فى غير صالح أوكرانيا، وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة فى القارة الأوروبية، واستعان ودوارد، فى تقديمه لكتابه، ببعض العبارات المنسوبة للدبلوماسى الأمريكى السابق، جورج كينان، الذى يوصف بأنه «مهندس» الحرب الباردة، وصاحب نظرية «سياسة الاحتواء» لمنع توسع الاتحاد السوفيتى بعد الحرب العالمية الثانية.
وفيما يتعلق بمواقف إدارة بايدن من الوضع فى منطقة الشرق الأوسط، سعى ودوارد إلى سرد ما يعتبرها «مآثر» الإدارة الديمقراطية «الحمار الأزرق»، لاحتواء حرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة، فى أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، فى السابع من أكتوبر 2023، من خلال ممارسة ضغوط على رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، لمنع استهداف المدنيين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، دون أن يشير الكاتب إلى شحنات الأسلحة والعتاد التى لم تتوقف يوماً من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، بل والوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة لمواجهة أى تصعيد محتمل، كما تناول بعض ما دار خلف الأبواب المغلقة بين مسئولين فى الإدارة الأمريكية وبعض القادة والمسئولين فى الدول العربية، يروج فيها لمزاعم تُظهر أن فريق بايدن كان أكثر حرصاً على حياة المدنيين فى غزة من بعض الأطراف الأخرى.
ويختتم ودوارد كتابه «حرب» بالقول إن الكتاب منحه فرصة للنظر إلى «الجهود الصادقة» التى يبذلها الرئيس بايدن وفريقه للأمن القومى، لاستخدام أدوات السلطة التنفيذية بمسئولية، وبما يخدم المصلحة الوطنية، كما يشير إلى أن بايدن وفريقه عملوا على تطوير سياسة خارجية قائمة على المعلومات الاستخباراتية، لتحذير العالم من أن الحرب قائمة فى أوكرانيا، ولتزويد أوكرانيا بالأسلحة التى تحتاجها للدفاع عن نفسها ضد روسيا، ورغم أن الصحفى الأمريكى يُنهى كتابه بالقول: «كانت هناك إخفاقات وأخطاء، بالطبع، القصة الكاملة تعتمد على الأدلة المتاحة حالياً، أعتقد أن الرئيس بايدن وفريقه سيتم دراستهم فى التاريخ كنموذج للقيادة الهادئة والهادفة»، فقد كان للناخب الأمريكى رأى آخر، منح الجمهوريين فرصة للسيطرة منفردين على معظم مقاليد السلطة فى الولايات المتحدة، سواء فى البيت الأبيض، أو من خلال السيطرة على غالبية المقاعد فى مجلسى الكونجرس.