فى نفس توقيت الإعلان عن وقف إطلاق النار فى جنوب لبنان الأسبوع الماضى، دخلت ميليشيات قوامها ٨٠ ألف فرد مسلحين بأسلحة وقنابل وآربيجيهات وسيارات حاملة رشاشات مدينة حلب السورية واستولت عليها، ثم دخلت مدينة إدلب وأجبرت الجيش السورى على الانسحاب، فى حين أعلن الجيش السورى أن انسحابه تكتيكى، ليستعد للانقضاض على الميليشيات وطردها.. وحتى كتابة هذه السطور ما زال الجيش السورى والميليشيات فى اشتباك كانت نتيجته استشهاد عشرات المدنيين.
هذه الميليشيات تدعمها عدة جهات منها إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة، فى حين يدعم الجيش السورى روسيا وإيران.
كل هؤلاء يتناحرون على الأراضى السورية، والضحية الشعب السورى الأعزل، وأرض سوريا الطيبة. لم تبدأ المؤامرة على سوريا الأسبوع الماضى، ولكنها بدأت يوم أن احتلت إسرائيل هضبة الجولان فى ١٩٦٧. ويوم أن عجز الجيش السورى عن تحريرها فى حرب أكتوبر ١٩٧٣.
ويوم أن رفض الرئيس السورى حافظ الأسد العرض الذى قدمه الزعيم الشهيد أنور السادات، بطل الحرب والسلام -وهو فى دمشق- أن يتحدث باسمه فى مفاوضات السلام لإعادة الجولان.
ويوم أن تآمر قيادات حزب البعث السورى على «السادات» وأرادوا اعتقاله لأنه عرض التفاوض لإعادة الجولان لسوريا! ويوم أن ورّث حافظ الأسد رئاسة سوريا لنجله «بشار» وتم تعديل الدستور على مقاسه.
ويوم أن استقوى «بشار» بروسيا على شعبه.
والآن سوريا على شفا التقسيم ليس عرقياً كما فعلوا فى العراق ولبنان، ولكن ستقسم أراضيها بحيث يتم ضم أجزاء أخرى متاخمة للجولان لإسرائيل، وجزء لأكراد تركيا، وجزء تهيمن عليه القوات المسلحة السورية بدعم من روسيا وإيران.
الميليشيات التى تحتل حلب الآن، والتى تطلق على نفسها معارضة، ما هى إلا أداة لإسرائيل لتنفيذ مخططها، ولو كانوا سوريين ووطنيين بحق ويفعلون ما يفعلونه من أجل بلدهم، لوجهوا قوتهم وأسلحتهم لتحرير أراضيهم المحتلة (الجولان) من سيطرة العدو الإسرائيلى.
أمريكا تدعى كذباً أنها فوجئت بما حدث فى حلب وإدلب، رغم أن أقمارها الصناعية ورجال الـ(سى آى إيه) يرصدون دبة النملة فى كل دول المنطقة، فهل يستوعب عقل أن ٨٠ ألفاً مسلحين بعتادهم ومعداتهم وأسلحتهم يتحركون فى وقت واحد، فجأة دون تجهيزات أو استعدادات أو تخطيط محكم وتمويل بالملايين وبإمداد بالسلاح من أوروبا وأمريكا!
الميليشيات من جنسيات مختلفة، ولا يتحدثون لغة واحدة، وهدفهم الذى تقاضوا أجراً عليه هو إسقاط النظام السورى، ليصبح البلد بلا رأس، ولا جيش نظامى، ويسهل تقسيمه، تماماً كما فعلوا فى العراق، وليبيا، ويفعلونه فى السودان، ولكن بأسلوب آخر، ودون أن تتورط أو تتدخل فيه قوات أمريكية، فتعددت الطرق والهدف «التقسيم».
كل ما نراه الآن وما ننتظره هو توابع «الربيع العربى» وسياسة الفوضى الخلاقة التى ابتدعتها الولايات المتحدة لتفتيت دول المنطقة من الداخل، ولتقديم هذه الدول -بعد تفتيتها- على طبق من ذهب لإسرائيل، تستقطع منها ما تشاء وتضم منها ما تريد، وتوطن فيها اليهود المهاجرين.
وحتى لا يتهمنى أحد بالمبالغة أو بالإيمان بنظرية المؤامرة، فلينظر إلى ما يحدث فى إسرائيل خلال عام مضى منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ من مظاهرات ضد «نتنياهو»، رئيس الوزراء، الذى تسبب فى انعدام الأمن للشعب الإسرائيلى، وعجزه عن إعادة الرهائن الموجودين فى حوزة «حماس»، وإتمام صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين بالرهائن، واتهامه وزوجته وابنه بقضايا فساد، وصدور قرار من «الجنائية الدولية» بضبطه هو ووزير دفاعه «جالانت» بتهمة ارتكاب جرائم حرب، كل ذلك ولم نر هتافات إسرائيلية ترفع شعار «يسقط النظام» ولم نر معارضة مسلحة تحاول إسقاط النظام بالقوة، أو حشوداً تحرق وتدمر مؤسسات الدولة الإسرائيلية.
والسبب ببساطة أن هذا السيناريو «متفصل على مقاس دول الشرق الأوسط» لتفتيتها وإسقاطها من الداخل، وأمريكا لا تريد ذلك لإسرائيل، لأنه ببساطة سيناريو يهدم ولا يصلح ولا علاقة له بالديمقراطية والحرية التى تروج لها الولايات المتحدة وتحاول جاهدة إقناع الشعوب غير الواعية بها.
سوريا الشقيقة لن تخرج من فخ التقسيم إلا إذا كان الشعب والجيش على قلب رجل واحد، وأن يقاوم الشعب الميليشيات، وأن يحافظوا على لُحمة جبهتهم الداخلية، وأن يقرر الشعب مصيره بنفسه دون أى تدخلات خارجية. هذا المصير كان يمكن أن تتعرض له مصر لولا وعى شعبها العظيم ووطنية جيشها الباسل وحكمة رئيسها.. رددوا معى: حفظ الله مصر وشعبها وجيشها ورئيسها.. وحمى أمتنا العربية من كل سوء.