لا يختلف اثنان على أنَّ قضية الدعم واحدة من أهم القضايا ومن أبرز الأولويات والتحديات التى تواجه الحكومة منذ سنوات كونها ترتبط بشكل وثيق باحتياجات المواطنين خصوصاً الفئات الأَولى بالرعاية. ولا يختلف اثنان على أن الدعم العينى لم يكن يصل إلى مستحقيه وأنه كان بوابة خلفية للفساد والإفساد، والأمثلة كثيرة، فالدقيق المدعم كان أصحاب المخابز الجشعون يبيعونه فى السوق السوداء وهكذا كان يذهب السكر المدعم إلى مصانع الحلويات الكبرى لاستخدامه فى صناعة التورتات والحلويات الشرقية التى يعيدون بيعها للمواطنين بأسعار خيالية وهكذا الحال فى معظم السلع التموينية.
لذلك أحسنت الدولة أن فكرت فى تحويل الدعم العينى إلى دعم نقدى يستخدمه المواطن فى شراء ما يشاء فى أى وقت يريد.. تابعت منذ أيام قليلة جلسة مجلس النواب التى خصصت لمناقشة مشروع قانون الضمان الاجتماعى والدعم النقدى، الذى يهدف إلى تحسين نظام الدعم الحكومى وضمان وصوله إلى مستحقيه بشكل أكثر فاعلية. الدولة أكدت -على لسان رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولى- أن الدعم النقدى سيسهل على المواطن الحصول على السلع والمنتجات التى يرغب فى شرائها من العديد من المنافذ وفقاً لاحتياجاته وأنه من الممكن أن تبدأ فى التحول من دعم السلع الأساسية لتقديم مساعدات نقدية مباشرة للمواطنين الأكثر احتياجاً ابتداء من السنة المالية الجديدة، والتى تبدأ فى الأول من يوليو 2025.
وبطبيعة الحال ظهر من يشكك فى نوايا الحكومة بإحلال الدعم النقدى بدلًا من الدعم العينى وصاحبت ذلك حالة من النقاش والجدل عقب طرح الفكرة. لذلك كان من الواجب الرد على عدد من التساؤلات التى تشغل الرأى العام وتلامس نبض الشارع حرصاً على تعزيز الوعى المجتمعى بكل تفاصيل القضية وهذه التساؤلات هى: ما فوائد الدعم النقدى للمواطنين مقارنة بالدعم العينى، وما تأثير الدعم النقدى على القدرة الشرائية للأفراد؟ وهل توجد قطاعات تستفيد أكثر من الدعم العينى مقارنة بالدعم النقدى؟، وكيف يمكن أن يؤثر الدعم النقدى على التضخم؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة نقول إنَّ الدعم بكل أشكاله، نقدى أو عينى، يعد من أدوات الحماية الاجتماعية التى تلجأ إليها الدولة لتحسين مستوى المعيشة ومساعدة الأسر الأكثر احتياجاً، لكن الدعم النقدى عبارة عن تحويلات نقدية مباشرة للأسر الأكثر احتياجاً دون تقديم سلع معينة ويوفر العديد من المميزات أهمها إعطاء مرونة وحرية أكثر للمواطن لشراء سلع متنوعة وتقليل الهدر والفساد فى منظومة الدعم العينى الحالى والقضاء على فكرة وجود أكثر من سعر للسلعة، كما يضمن القضاء على التلاعب بالسلع التموينية، وتعزيز القدرة الشرائية للأفراد مما يسهم فى تعظيم الاستهلاك المحلى وبالتالى دفع عجلة الاقتصاد الكلى كما يؤدى إلى وصول الدعم إلى مستحقيه بكفاءة وفاعلية أكبر.
وفيما يخص تأثير الدعم النقدى على القدرة الشرائية للأفراد فإنه سيؤدى إلى زيادة الدخل المتاح للأفراد مما يمنحهم قدرة أكبر على شراء سلع وخدمات يحتاجونها، كما يسهم فى رفع مستوى المعيشة للأسر من خلال تلبية الاحتياجات الأساسية ويعطى للأفراد والأسر مرونة فى اختيار سلع وخدمات بحرية أكبر، مما يؤدى إلى تنشيط عجلة الاقتصاد وزيادة الطلب على السلع والخدمات، كما أن الدعم النقدى يعد إحدى الأدوات الفعالة لتحسين القدرة الشرائية للأفراد.
ورداً على تساؤل: هل يوجد قطاعات أو مجموعات تستفيد أكثر من الدعم العينى مقارنة بالدعم النقدي؟ أقول بالتأكيد، لأن الدعم العينى يؤدى إلى طول حلقة الإمداد والتموين، وبالتالى ضعف الرقابة، إذ يصل الهدر فى بعض السلع إلى 30% طبقاً لبعض الإحصائيات، بالإضافة إلى أن المخابز والمنافذ التموينية من الممكن أن تتلاعب بالسلع التموينية، وبالتالى نجد سوقاً سوداء لهذه السلع، ولك أن تعلم أن وزارة التموين لديها أكثر من 35 شركة تابعة لتوفير السلع التموينية لحوالى 70 مليون مواطن شهرياً، ومع هذا العدد المهول ومع عدم كفاءة سلاسل الإمداد والتموين فإن ذلك يعزز الفساد والهدر وعدم إيصال الدعم لمستحقيه.
وعن تأثير الدعم النقدي على التضخم مردود عليه بإتاحة مبلغ الدعم النقدي فى صورة بطاقة ائتمانية خاصة بمشتريات سلع محددة وخدمات أساسية معينة من أماكن متعاقد عليها مسبقاً من جانب الدولة وبالتالى تضمن الدولة مراقبة أوجه الإنفاق وضمان عدم تسرب مبلغ الدعم فى أوجه صرف غير مخصصة لها.
الخلاصة فإن التحول للدعم النقدى يعد الأفضل والأسرع لوصول الدعم للمستحقين وتحقيق العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية بين المواطنين، وفقاً لما أكدته التجارب الدولية.