ليس من السهل على الشارع العربي تصديق ما حدث في سوريا، هل رحل الأسد فعلا؟ هل تولت جماعات دينية حكم سوريا بالفعل؟ هل سيكون هناك شكل جديد لدولة الشام الأم؟، أحداث متلاحقة شكلت نقطة فارقة في تاريخ الدولة العروبية التي تبنت القومية العربية المعاصرة ودفعت بها إلى مقدمة اهتمامات العرب وسيطرت على الشارع العربي على مدى يقرب من أربعة عقود من القرن العشرين، وحكمتها أسرة الأسد أبا وابنا على مدى يقارب 55 عاما.
سوريا، تلك الدولة ذات التاريخ الطويل والمعقد، شهدت منذ عام 2011 حربًا مدمرة غيرت وجه المنطقة بشكل جذري، بدأت الأزمة السورية باحتجاجات سلمية تطالب بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، ولكنها سرعان ما تحولت إلى صراع مسلح واعتمد الرئيس السوري بشار الأسد، على الدعم العسكري من روسيا وإيران، ما مكّن نظامه من البقاء في السلطة رغم انقسام البلاد وتدخل القوى الإقليمية والدولية.
رحيل بشار الأسد عن السلطة سيكون نقطة تحول هائلة في تاريخ البلاد، فقد ظل على رأس السلطة طوال سنوات الحرب رغم الانتقادات الدولية، وسيخلف رحيله فراغًا سياسيًا وأمنيًا قد يؤدي إلى صراع على السلطة بين القوى الداخلية والخارجية.
سيناريوهات رحيله تتراوح بين انتقال سياسي سلمي أو اضطرابات دموية قد تعمق الانقسام القائم داخل سوريا.
بعد رحيل بشار الأسد ستتولى جماعات إسلامية متشددة السلطة، وهي الجماعات التي تمكنت من فرض نفوذها من قبل في مناطق مختلفة، هذه الجماعات تتمتع بقاعدة دعم شعبي من بعض قطاعات المجتمع السوري، خاصة في المناطق التي تشهد تدهورًا اقتصاديًا واجتماعيًا، في حال حكمت الجماعات بعد رحيل الأسد، فإنها ستسعى لتطبيق أفكارها ومفاهيمها الدينية في شكل حكومة إسلامية وهو ما يغير خريطة المنطقة وطرق التعامل فيما بين دولها.
من المتوقع أن تكون التحديات الاقتصادية هائلة، فالبنية التحتية في حالة انهيار، والاقتصاد في حالة ركود، في ظل حالة من التوتر الداخلي والإقليمي، وستكون إعادة الإعمار أمرًا بالغ الصعوبة، كذلك، فإن اللاجئين السوريين الذين فاق عددهم 13 مليونًا، سواء داخل البلاد أو في الدول المجاورة، سيشكلون عبئًا ثقيلًا على أي حكومة جديدة، مما يزيد من تعقيد الوضع.
يعد المجتمع الدولي عاملًا رئيسيًا في تشكيل مستقبل سوريا، ستظل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا تلعب دورًا محوريًا في تحديد هوية الحكومة المقبلة.
وسيكون المستقبل السياسي لسوريا مرتبطا ارتباطًا وثيقًا بموازين القوى الدولية والإقليمية.
سيكون لرحيل بشار الأسد تداعيات على الدول العربية، فقد يشهد الوضع الإقليمي تنافسًا محمومًا بين القوى السنية والشيعية في المنطقة، ويزداد تأثير جماعات الإسلام السياسي في بعض الدول، في المقابل، قد يكون هناك محاولات من الدول العربية لتحقيق توافق سياسي في سوريا، مما قد يعزز جهود التسوية في الشرق الأوسط.
إن رحيل بشار الأسد عن السلطة سيشكل نقطة تحول كبرى في تاريخ سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، بينما يظل المستقبل غير واضح، فإن الاحتمالات تشير إلى صراعات جديدة، سواء على صعيد السلطة داخل سوريا أو على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية.
في هذا السياق، سيكون على القوى المحلية والدولية أن تتكاتف من أجل تجنب المزيد من التفكك والدمار في المنطقة، مع ضرورة البحث عن حلول سياسية شاملة تضمن استقرار سوريا وتعيد لها مكانتها في العالم العربي.