لا تنقطع المحاولات الدبلوماسية المبذولة من طرف العراق لإبعاده عن دائرة التوقعات عن توقيت ونوعية ضربات مرتقبة تدور حولها تهديدات أعلنتها دولة الاحتلال عن عزمها توجيه هذه الضربات على العراق. إذ لم تعد وحشية الكيان الصهيوني تعترف بما تزعمه عن «ضربات محدودة!» لأهداف بعدما طالت جرائمها المدنيين والأطفال.
حين أعلن منذ أسبوعين دخول قوات من ميليشيات ولائية على اختلاف مسمياتها إلى سوريا إثر اندلاع المواجهات العسكرية بين الجيش السوري والتنظيمات التكفيرية المختلفة المتمركزة في سوريا، وسط أجواء تخبط الحرب، برز السؤال المهم عن قيام القوات الأمريكية بقصف هذه الميليشيات وإذا ما كان هذا يعطي دولة الاحتلال ضوءا أخضر لتنفيذ عملياتها داخل العراق، فالقوات الأمريكية لم تتردد سابقا في توجيه ضربات على مقرات الميليشيات في العراق، علما بأنّ الإدارة الأمريكية كررت مطالبها لرئيس الوزراء العراقي شياع السوداني عن ضرورة ضبط هذه الميليشيات وإيقاف إطلاق مسيراتها على دولة الاحتلال.
من جانب آخر تظهر صعوبة الاستجابة وتنفيذ المطلب واقعيا من أي طرف رسمي عراقي، سواء الحكومات السابقة أو الحالية نظرا لعدم رضوخ بعض هذه الميليشيات إلى المناشدات السابقة الداعية إلى انضمام أفرادها إلى الجيش العراقي وتسليم أسلحتها مع إصرارها على استمرار إطلاق مسيرات على دولة الاحتلال والقيام بأعمال عدائية ضد الوجود الأمريكي في العراق.
ما يزيد المشهد تعقيدا أنّ العراق طالما اعتبر ممرا أساسيا لتهريب الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا ولبنان رغم كل التصريحات الصادرة من الجهات الرسمية العراقية عن ضبط أو إغلاق الحدود مع سوريا، تحديدا بعد جنون اليمين الصهيوني المتطرف واندفاعه إلى فتح عدة جبهات للحروب على التوالي وتأكيدات مسؤولي الإدارة الأمريكية لنظرائهم في العراق عزم دولة الاحتلال توجيه ضربات تستهدف قيادات ومقرات الميليشيات الولائية في العراق دون حتى استثناء قوات الحشد الشعبي رغم تمتع هذه الأخيرة بنفوذ ودعم من الحكومة العراقية، كما أنّ مقرات هذه الفصائل تنتشر بين العاصمة بغداد لتشمل جميع محافظات العراق لكن تبقى تحركات قياداتهم محاطة بالسرية.
المخاوف العراقية أيضا لا تستبعد تضرر البني التحتية نتيجة ضربات دولة الاحتلال أو استهداف الميليشيات مقرات الهيئات الدبلوماسية والحكومية مع وجود بعض مكاتب هذه الميليشيات قرب هذه المواقع، إضافة إلى وجود أفرادها وسط مناطق سكنية.
العراق يضع أيضا عينه على التخاذل الدولي من جانب مختلف منظماته وهيئاته تجاه رعونة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في المضي نحو إشعال المنطقة دون رادع تحديدا بعد تصريحات نتنياهو التي اعتبر ضمنها أنّ العراق هو إحدى الجبهات التي تحارب فيها إسرائيل.
هذه المخاوف تصل إلى ذروتها مع خشية تكرار سيناريو 2014 الذي أسفر عن سيطرة تنظيم داعش على ثلث مساحة العراق تقريبا قبل طرده من قبل الجيش العراقي عام 2017.
مع ذلك شهد العراق مجموعة عمليات إرهابية منذ ذلك التاريخ ما يؤكد وجود خلايا تكفيرية نائمة أو تنفيذ عمليات «الذئاب المنفردة» من مجموعات داعش مرورا عبر الحدود السورية العراقية.
ومع كل تصريحات المسؤولين العراقيين عن رفض العراق القتال بالنيابة عن أحد، يبدو أنّ الفصائل الولائية لها رأي آخر يتبني المشاركة في الحرب الدائرة في غزة أو ربما مستقبلا في سوريا واستهداف القوات الأمريكية والتركية في العراق كما حدث مؤخرا مع إطلاق صواريخ على قاعدة زليكان التي تضم قوات تركية في الموصل.
في إطار تاريخ سلسلة الأكاذيب وزيف مساحيق التجميل التي حاولت التنظيمات التكفيرية تصديرها عبر الميديا الغربية عند سيطرتها على دولة أفغانستان -وهي المثل الأقرب- مع سقوط كل أقنعة الاستنارة التي زعمها تنظيم طالبان لتبدأ بعد سيطرته ممارسة كل مظاهر التطرف والقمع.
بالتالي لا يحمل تصريح أبومحمد الجولاني أو أحمد الشرع الذي بثه ردا على كلمة «السوداني» عن مراقبة ما يجري في سوريا وضبط الحدود بين الدولتين، حين نفى «الجولاني» مخاوف الساسة العراقيين حول امتداد ما يجري في سوريا إلى العراق مؤكدا أنّ هذا الأمر خاطئ هنا يفرض السؤال الأهم نفسه: هل هناك أي سند تاريخي يدعم مصداقية هذه التنظيمات التكفيرية؟