تمكنت إسرائيل من تغيير خريطة الشرق الأوسط التى رسمت حدودها معاهدة سايكس بيكو التى قسمت كعكة الإمبراطورية العثمانية بين فرنسا وبريطانيا عام 1916، والتى تحول بعدها الاحتلال إلى انتداب، ثم أفول شمس الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية، وظهور القطبين الجديدين أمريكا والاتحاد السوفيتى لتقسيم مناطق النفوذ ليأخذ الاحتلال شكلاً جديداً مغايراً للاحتلال العسكرى الشامل، ومعهما ظهرت إسرائيل أداة الاحتلال الجديدة، والتى أصبحت هى (سايكس بيكو) القرن الواحد والعشرين، وهذا ليس كلاماً من بنات أفكارى ولكنه اعتراف بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، أمام المحكمة الإسرائيلية التى تحاكمه فى تهم فساد، حيث قال فى قاعة المحكمة أمام كاميرات وميكروفونات الإعلام: كيف تحاكموننى وما أفعله الآن لم تستطع فعله معاهدة «سايكس بيكو»؟! مشيرا إلى ما يفعله فى سوريا بعد سقوطها، حيث يقوم الآن بإعادة ترسيم الحدود ليس على خريطة كما فعلوا فى القرن الماضى ولكن بطريقة الأمر الواقع، حيث قام باحتلال شريط المنطقة العازلة بالكامل التى تقع فى الأراضى السورية، ثم توغل ليحتل أكثر من 20 قرية سورية وتتجول فيها آلياته العسكرية بكل حرية، وأصبح على مسافة 25 كيلومتراً من دمشق، وتمهيداً لذلك وليصبح أمراً واقعاً فقد قامت قوات الاحتلال بتدمير كامل للبنية العسكرية للجيش السورى بعد أن شنت 360 غارة جوية على سوريا قضت فيها على كل أسلحة الدفاع الجوى، وكل زوارقه وبواخره وغواصاته البحرية، وتدمير أكثر من 2000 دبابة، و500 طائرة، فضلاً عن إخراج جميع المطارات السورية العسكرية من الخدمة، كل ذلك دون أن تتلقى قواته طلقة من الجانب السورى، ولا حتى بياناً مكتوباً على ورق أو كلمة فى ميكروفون أو شكوى فى الأمم المتحدة أو استغاثة للجامعة العربية صادرة من الذين يسيطرون على مقاليد الحكم الآن فى دمشق!
إذاً لا بد أن يُبدى نتنياهو دهشته من مثوله أمام المحكمة بدلاً من أن يشيدوا له تمثالاً ونصباً تذكارياً يخلد أعماله المجيدة فى توسيع إسرائيل الكبرى، وبغض النظر عن المحاكمة الهزلية التى تتم لنتنياهو والتى تريد منها إسرائيل إظهار نفسها أمام العالم على أنها «دولة ديمقراطية» تحاكم رئيس وزرائها على وقائع فساد بسيطة رغم إنجازاته التاريخية.. فإن ما يجرى على الأرض يكشف براعة الصفقة التى حدثت فى سوريا بين أمريكا وروسيا، واختيار الشخص المناسب لتنفيذ هذه الصفقة «مخطط إسرائيل الكبرى»، وذلك من خلال:
- اختيار فصيل عليه علامات استفهام ليبقى غير مستقر وهو فى الحكم شاعراً بأن أمريكا يمكن أن تُسقطه فى أى وقت فيظل منفذاً لأوامرها.
- وجود فصيل (إرهابى شكلاً) يعطى مبرراً أزلياً لإسرائيل للقيام بتدمير قدرات سوريا العسكرية حتى لا تقع فى يد الإرهابيين وتهدد أمنها، ويجعلها تتوغل أكثر فأكثر لضمان أمن شعبها!
- ضمان عدم وصول قائد وطنى سورى للحكم لأنه سيكون همه الأول ومشروعه القومى هو تحرير الأراضى السورية.