قلبى ينفطر على الشعب السوري الشقيق، الذي لم يكد يتخلص من حكم أنهك سوريا وقضى على عزيمتها وشموخها على مدى أكثر من نصف قرن، وملأ السجون والمعتقلات بكل من حاول أن يتنفس، وهجَّر الملايين وغرّبهم عن بلدهم، وقتل الآلاف وجعل من سوريا سجنا كبيرا، حتى ابتلى بحكم رجعي قد لا يفرق كثيرا عما سبقه، حتى لو حاول أن يظهر في مظهر الحمل الوديع الذي جاء بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان.
منذ أن صرح قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، ومؤسس جبهة النصرة، وهي الفرع السوري من تنظيم القاعدة، بأن كتابة دستور جديد لسوريا سيستغرق أربع سنوات، وعمل انتخابات رئاسية سيحتاج إلى ثلاث سنوات أدركت بعدها أن هؤلاء لن يتركوا السلطة في سوريا بالديمقراطية، وما كان أحد ينتظر مثل هذه التصريحات حتى يدرك أن هذا الفصيل لا يترك السلطة لا بالديمقراطية ولا بغيرها فتلك هي الفرصة التي لن يتركوها أبدا.
حتى إن هذا «الجولاني» فى حديث سابق أجراه مع المذيع الإخواني أحمد منصور، انتقد فيه ما اعتبره سلمية جماعة الإخوان في مصر، وأن هذه السلمية هي التي قضت عليهم وعلى حكمهم، ما يعكس الفكر الحقيقي لهذا الرجل الذي يعتقد أنه بخفض صوته وارتدائه للملابس الأوروبية الحديثة وربطة العنق والحذاء الذي قدّره البعض بألف يورو، بدلا من ارتدائه ملابس داعش، وجمع الفصائل التي تحمل تاريخا إجراميا وابتسامته التي تشبه ابتسامة أسامة بن لادن، كل هذا قد يجعله يبدو في صورة المسيطر على الأمور وعلى كل الفصائل، كل هذا ليس إلا محاولة مكشوفة حتى يبدو للعالم أنه البطل الذي جاء بالحرية والسلام، بينما تاريخه الحقيقي لا ينم عن كل هذا.
أما عن العمليات الانتقامية التي تجرى وقائعها في سوريا فهي لا تختلف كثيرا عما كان يجري في عهد بشار الأسد، وإذا ما استمر الحال هكذا فالأمر غير مُبشر على الإطلاق، صحيح أن سوريا في فترة تحولات لكنها أيضا تحتاج إلى تضافر كل القوى، وليس فقط قوى الجماعات المتطرفة التي نظّمت صفوفها وعقدت العزم على توزيع الكعكة، وهذا ما يبدو واضحا من التشكيل الوزاري وتوزيع السلطات الذي يجري الآن، واستبعاد كل القوى غير جماعات الإسلام السياسي التي قفزت على الحكم وتريد أن تستقر الأوضاع على ما هي عليه ولا يعلم سوى الله كيف ستنجو سوريا من كل هذا، بعدما أنهكها نظام الأسد الأب والابن على مدى عقود.
منذ عدة أيام صعد المعارض السوري هيثم المالح إلى منبر الجامع الأموي في دمشق، وفوجئ باثنين يدفعانه للنزول من على المنبر، وتم تجاهله تجاهلا تاما، حتى إنه كتب ملمحا إلى عودته إلى الوطن الذي احتضنه ومنحه الأمن، ويقصد به ألمانيا، وقبلها نُشر فيديو لعدد من السوريين في مدينة حلب وهم يحتفلون برحيل «بشار» وقام أحدهم بإلقاء كلمة وحين أخذ يهاجم الولايات المتحدة دفعوه للنزول من على المنصة في مشهد عبثي، ناهيك عن الأعمال الانتقامية في مدن وقرى سوريا، وفوق كل هذا لم نرَ حتى الآن أي وجوه سورية معتدلة أو من تيارات غير تيار الإسلام السياسي تتصدر المشهد، وهذا يعد مؤشرا خطيرا لمستقبل سوريا، التي يحيطها الخطر من كل جانب.
الأخطر من كل هذا هو ما عرضته القناة 12 الإسرائيلية من تنسيق تركي إسرائيلي لعمل آلية لدخول سوريا، وتلك هي الكارثة الكبرى، حيث تحتل إسرائيل أجزاء بالفعل من سوريا، ومثلها تركيا فتصبح سوريا مقسمة وعلى رأس السلطة فيها هذه الجماعات الداعشية التي لا يهمها من الأمر سوى بقائها في الحكم مهما كان الثمن، وهو ما يعني أن سوريا البلد العربي القوى الموحد سيذهب إلى نفس الطريق الذي سبقه إليه دول لم تحظ بشعب وجيش على قلب رجل واحد.