وشوش على شط القنال: إحنا الأمل
أسفل تعريشة بناها صاحب الورشة، يستريح «اللولى» وقد فكّ أزرار قميصه، جلس عامل اللحام مع صديقه على أحد صناديق المعدات التى تفوح برائحة الصدأ، وقد خفّت وتيرة العمل فى الورشة، بعدما غادرت عربات النقل واللوادر موقع الحفر منهية مهمتها وقد «أنهكت تماماً» كما يقول «اللولى»، فنى اللحام فى الورشة.
بعد شهرين من بدء مشروع حفر القناة الجديدة، فاوض «خالد» أحد أصحاب المنازل فى قرية التقدم، القريبة من موقع الحفر، لاستئجار منزله بغرض فتح ورشة لحام وميكانيكا تخدم عربات ولوادر الحفر، وتمت الصفقة التى «فتحت أبواب رزق لعمال وفنيين كثيرين» كما يقول أحد عمال الورشة، وكنّا نعتذر للزبائن بسبب الضغط.
ساعدت الورشة التى أنُشئت على هامش المشروع، على ضم عدد كبير من العمال فى مجالى الميكانيكا واللحام، ومن بينهم محمد اللولى، الذى قضى عمره فى صيانة المكيفات قبل بلوغه سن المعاش، يقول الرجل بابتسامة عريضة: «مش عايز أصدم المعجبين بسنى الحقيقى، لكنى فعلاً عديت سن المعاش، بس الواحد طالما شغّال فى الحديد هيبقى جسمه حديد». بشغف، يتطوع «اللولى» للإجابة عن الأسئلة بشأن الورشة التى يعمل لديها، وبالنسبة لسيارات النقل ولوادر المشروع، فيتابع أن العمال كانوا يواصلون العمل ليلاً ونهاراً «وده كان ضاغط عليهم وعلينا».
بدأت الورشة كفرع ثانٍ لورشة أكبر فى مدينة فايد، شمالى الإسماعيلية، وبحسب ما يردف به عمال الورشة «الناس أصحاب الأوناش كانوا بينزلوا القرية هنا علشان ياكلوا أو يشربوا، ولما واحد فيهم عربيته أو اللودر بتاعه يعطل بيبقى متلهف إنه يصلحه علشان أكل العيش والرزق، فقررنا نفتح هنا ورشة، وتحولت ورشة الحاج خالد إلى جندى مجهول وراء حفر القناة».[FirstQuote]
انعكس المشروع بالإيجاب على سكان القرية، مثلما انعكس إيجاباً على ورشة اللحام، «يمكن بالنسبة لنا الخير كان موسمى، وخلص بعد ظهور الميّه وبعد ما العربيات واللوادر مشيت، بس بالنسبة لسكان قرية التقدم الخير مش موسمى لأن الإيجارات زادت من 200 جنيه للبيت لـ1000 و2000 جنيه».
وفد «اللولى» إلى محل الحفر من محل إقامته فى الجيزة، للعمل ضمن فريق من اللحامين، الكثير منهم من الإسماعيلية، وكان ضغط العمل المضاعف كفيلاً بأن تقل إجازاتهم إلى أقل حد ممكن «كنت بنزل القاهرة مرة واحدة فى الأسبوع» يقول اللحّام متمماً كلامه بقسم. خلال الشهور السبعة الأولى استقبلت الورشة معدات حفر وعربات نقل بأعطال وكسور هائلة ومضاعفة، بحسب تقديره، وبسبب ضغط العمل كانت الورشة تعتذر للكثيرين من أصحاب العربات واللوادر المعطلة، وهذا سمح لورش أخرى أن تنشأ، حتى فى القرية ذاتها، لخدمة مئات المركبات التى شاركت فى المشروع، ويستكمل عامل الورشة قائلاً: «إحنا أول ورشة تفتح هنا فى قرية التقدم، لكن فيه ورشة تانية فى الأبطال، غير كام ورشة صغيرة، اللى جاب مخرطة أو اللى مجابش واللى فتح وفشل ومشى». «الأعطال كانت مضاعفة، لأن شغل الحفر استمر ليل نهار طوال الشهور الأولى فى المشروع» يقول «اللولى» الذى لاحظ أن «المعدات بقت بتتفتت، فكان أصحاب المعدات والعربيات ييجوا لنا بمعداتهم يطلبوا مننا نبذل فيها مجهود رهيب، وأكتر الحاجات اللى كانت بتخرب فى المعدات باكتات الحفارات وعيون اللوادر، غير العيوب الميكانيكية زى مواتير اللوادر والعربيات» ما استدعى إنشاء قسم لصيانة العيوب الميكانيكية فى السيارات. وتصاعدت معدلات السيارات المطلوب صيانتها يومياً بعد شهور قليلة من بداية أعمال الحفر الجاف، فيذكر «اللولى»، الذى يقى عينيه من شرار اللحام: «فى البداية كنا ممكن نصلح 3 أو 4 آلات، نخلصهم فى وقتها ويمشوا، بعلاجات سريعة، علشان كل واحد من العمال بيبقى عايز يرجع الحفر، ورغم إن بعض المعدات كانت بتيجى خلصانة، لكن ماكنتش بخلى صاحبها ييأس، بس لو حاجة هتتكلف جامد فى التصليح أقول لصاحبها إنه لو اشترى الجديد هيبقى أرخص له، أو ألصمهاله علشان يكمل شغل».
رغم اعتماد الورشة على ستة عمال ميكانيكية، وأربعة فى المخرطة فقد تضاعف الضغط على الجميع «لدرجة إن أحمد فرج زميلنا تعب من ضغط الشغل، مع وجود صعوبات تانية واجهتنا كلنا فى المشروع زى قلة الميّه، ولأن المشروع مؤقت محدش اهتم يركب مولدات كهربا أو يوصل ميه حلوة والعمال كانوا متحملين علشان الورشة».
خلال شهور العمل لم تطالب الجهات المعنية صاحب الورشة باستخراج التراخيص اللازمة لعمله، «الوضع الرسمى هنا مستتب، والجيش والشرطة فاهمين إن الورشة هنا لخدمة المشروع فسابونا، حتى لما البيئة ساعات كانت بتشتكى كانت القوات المسلحة بتتدخل وتوضح أنه وضع مؤقت، وكانت بتتدخل كمان لإقناع السكان بإنهم يستحملوا الدوشة» يعلق «اللولى».