هذه رؤية تحاول أن تكون متفائلة لمصر ومستقبلها رغم كل مصادر الإحباط المحيطة بالمصريين، والتى تهدد ذلك المستقبل إن لم يتمسك المصريون بأهدافهم فى الاستقرار والتنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن القضاء على أهم مصدرين للخطر والتهديد، وهما الإرهاب والفساد.
هذه قضية أطرحها وأتوجه بها إلى كل المصريين، شعباً ورئاسة وحكومة، لتكون مادة للبحث والحوار الدائم والأساسى فى هذا الوقت وكل وقت لحين أن نصل فيها إلى كلمة سواء. إننا جميعاً مطالبون بالاستعداد لامتحان عسير يجب أن ننجح فيه بامتياز إذا أردنا أن يكون لنا مكان فى العالم المعاصر الذى لا يعترف إلا بالقوة والعلم والمعرفة. إن عالم اليوم، ومن ثم المستقبل، لا يقبل بالضعفاء، ولا مكان فيه لمن لا يملكون إرادتهم ويصنعون مستقبلهم بالعلم والديمقراطية والمشاركة المجتمعية الكاملة.
وسبب طرح هذه الرؤية التى تحاول أن تكون متفائلة هو ما تم إعلانه يوم الخميس الماضى، 27 أغسطس 2014، من أن اللجنة العليا للانتخابات سوف تعقد اجتماعاً يوم الأحد المقبل الثلاثين من أغسطس 2015 لإعلان إجراءات الانتخابات. وهذا يعنى، فى حالة استقرار الأوضاع وعدم ظهور مفاجآت قد تعطل إجراء الانتخابات، أن مجلس النواب الجديد يمكن أن يتشكل بعد أشهر قليلة. وذلك يعنى أيضاً أن الاستحقاق الثالث لخارطة المستقبل على وشك أن يتحقق على أرض الواقع بعد طول انتظار يزيد على عام وثمانية أشهر عن الموعد الذى حدده الدستور فى المادة 230!
ومصدر التفاؤل المحتمل هو عظيم ثقتى فى قدرة مصر على اجتياز ما يواجهها من عقبات ومشكلات تراكمت عبر سنوات الحكم غير الديمقراطى أيام نظام مبارك وخلال سنة من حكم الجماعة الإرهابية. ثم تفاقمت تلك المشكلات والمعوقات خلال سنوات الانفلات الأمنى والسياسى والسلوكى والخطاب الدينى البعيد كل البعد عن صحيح الدين الإسلامى ووسطيته وسماحته، والذى يدفع البسطاء من المصريين إلى تصرفات مناهضة للوطن تصب فى خانة الإرهاب والرغبة فى التحكم فى مفاصل الدولة من جانب فلول الجماعات الإرهابية وحلفائهم فى الداخل والخارج.
وتستند تلك الثقة البالغة فى قدرة مصر والمصريين على عبور أزمات الاقتصاد والبطالة والتفكك المجتمعى والتشرذم السياسى والثقافى إلى آخر قائمة معوقات التقدم والنمو، إلى حقيقة بسيطة عمرها أكثر من سبعة آلاف عام. فقد تعرضت مصر والمصريون للغزو والتدمير من جانب قوات معادية عبر العصور، كما تعرضت مصر والمصريون إلى محاولات متكررة لكسر الإرادة ومسخ الهوية الوطنية وتفكيك الدولة المصرية، ولكنها باءت جميعاً بالفشل وارتد المعتدون وأعداء مصر على أعقابهم خائبين مدحورين.
وكانت آخر محاولات كسر مصر، تلك الهزيمة المنكرة فى يونيو 1967، ولكن ما إن حلّ أكتوبر 1973 حتى تحولت الهزيمة أو النكسة، كما أطلق عليها تخفيفاً لكلمة الهزيمة، إلى نصر أكتوبر فى العاشر من رمضان، وبدأت الحركة السياسية فى الدوران، وتحقق تحرير الوطن من الاحتلال الإسرائيلى بعد أن ظن الأعداء أن مصر قد انتهت ودانت لهم إلى الأبد!
وثمة أمثلة أخرى حديثة تؤكد قدرة المصريين على عبور الصعاب واجتياز المحن بعد أن كاد الأمل فى تخلص مصر من مشكلاتها وعثراتها أن يتبدد. فها هو الشعب المصرى الحقيقى ينتفض فى 25 يناير 2011 مطالباً برحيل مبارك وإسقاط نظامه الاستبدادى الديكتاتورى الذى عانى منه المصريون طيلة ثلاثين عاماً. وانتفض المصريون فى ثورة ثانية حين سُرقت ثورة المصريين فى 25 يناير وركبت الجماعة الإرهابية وحلفاؤها موجة الثورة وتمكنوا من الحصول على أغلبية مجلس الشعب وسيطروا على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وتمكنوا من توصيل عضو مكتب إرشادهم إلى منصب رئيس الجمهورية، وحين كشف مرسى وإخوانه عن حقيقتهم الإرهابية وانقلب على الدستور بإصداره ما سماه «إعلان دستورى»، وهو غير دستورى بالمرة، كرّس فيه السلطة التشريعية والتنفيذية لنفسه وحصّن قراراته السابقة واللاحقة وتوعّد النائب العام الأسبق المستشار عبدالمجيد محمود إلى أن أقاله وعيّن بدلاً منه الإخوانى طلعت عبدالله.
وخلال العام الأول من رئاسة الرئيس السيسى اشتدت وطأة الإرهاب الإخوانى والتكفيرى، وتداعت قوى الشر الخارجية لتأييد ودعم الجماعة الإرهابية فى محاولاتها اليائسة العودة إلى المشهد السياسى بدعوى عدم الإقصاء، وأقدمت دول معادية لمصر والمصريين على نشر الأكاذيب وتوجيه عشرات الفضائيات الممولة من تركيا وقطر بالدرجة الأولى بهدف تضليل الرأى العام العالمى وتأليبه ضد مصر، وأيضاً لزعزعة ثقة المصريين فى قيادتهم. هذا التصاعد الإرهابى، مدعوماً بتفشى الفساد فى أجهزة الدولة، كان محبطاً لمسيرة الوطن نحو المستقبل، فضلاً عن اتجاه الحكومة إلى العمل بأسلوب تقليدى لا يعتمد على خطة واضحة ولا يعمل وفق برنامج زمنى محدد ويغلب على أدائها أسلوب إطفاء الحرائق وليس التنمية الشاملة وفق استراتيجية وطنية تم إعلانها والتوافق المجتمعى عليها.
ولكن رغم كل ذلك، فقد حقق المصريون إنجازاً باهراً بتمويل وحفر قناة السويس الجديدة وتشغليها فى عام واحد، كما حققت الرئاسة المصرية نجاحاً باهراً فى تغيير مواقف كثير من الدول التى عارضت ثورة 30 يونيو وعزل الحكم الإخوانى، وتحوّل الموقف الخارجى إلى تأييد وترحيب بزيارات الرئيس السيسى الخارجية واستعداد أكبر للتعاون مع مصر حتى من الإدارة الأمريكية! ناهيك عن توطيد العلاقات مع الدول الشقيقة السعودية والإمارات والكويت وغيرها من الدول العربية.
إن نجاح الشعب المصرى فى اختبار انتخابات مجلس النواب المقبل هو ما سيحدد المصير المصرى لسنوات مقبلة وفاصلة، وما سيدعم التفاؤل المرجو أو العودة إلى الإحباط والسير نحو المجهول!!!