كان صاحبنا طفلاً دون العاشرة عندما استمع إلى اسم أمينة السعيد يتردد على لسان خطيب المسجد فى أسيوط فى بداية الستينات.. لم يسمح عمره إلا بالتقاط ملخص الخطبة الذى يشير إلى امرأة شريرة تجاهر بمعصية الله تعالى، وتدعو إلى انتشار الرذيلة فى المجتمع.. استقر فى وعيه كصبى صغير كراهية هذه الشيطانة.. وكرّر ما سمعه على أصدقائه.
بعد ذلك بسنوات قليلة وقع فى يديه فى بيت الأسرة أحد أعداد مجلة «حواء».. كان أبوه القاضى الأزهرى المستنير يشترى لأمه المجلة أسبوعياً.. عندما تصفّحها شدّته آراء أمينة السعيد. كانت الآراء بالغة الرشد والرقى ولا يوجد بها أى شىء مما سمعه من قبلُ من خطيب المسجد.. لم تكن تحضّ على الرذيلة، بل كانت تعنّف قارئاتها إذا استشعرت فى شكاواهن خروجاً على التقاليد أو خطراً على تماسك الأسرة.. كل ما فى الأمر أنها كانت تدعو إلى حق المرأة فى التعلم والعمل وتولى المناصب دون تمييز ولا ترى فى الاختلاط فى العمل عيباً بل تهذيباً، وتصدّت لبعض العادات كالختان.. وكلها آراء قد تكون محلّ اختلاف البعض ولكنها لا تبرر اتهامها بالفجور والترويج له.. شعر صاحبنا بغيظ شديد من ذلك الشيخ الكاذب الذى أباح لنفسه قذف امرأة مسلمة من على منبر رسول الله (عليه الصلاة والسلام) وسبّها بالفاحش من القول.. وتعلّم من وقتها ألا يبنى موقفه من أى شخص على ما يسمعه من شخص آخر وإنما من قراءته المباشرة.. وألا يكتفى بمصدر واحد للمعرفة وأن يقرأ كل وجهات النظر المتضادة قبل أن يخرج بوجهة نظره.. ووعى الحكمة من قوله تعالى «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا».
وُلدت أمينة فى أسيوط فى 1910 للدكتور أحمد السعيد أحد زعماء ثورة 1919.. تعرفت فى شبابها على هدى شعراوى التى فطنت لموهبتها وشجّعتها على الالتحاق بالجامعة المصرية، فدخلت كلية الآداب قسم إنجليزى عندما كان عميدها الدكتور طه حسين ضمن أول دفعة بنات يدخلن الجامعة فى مصر.. وبعد تخرجها تزوجت من الدكتور عبدالله زين العابدين الذى شجعها على العمل فى الصحافة.. فى سنة 1954 أصدر أمين زيدان مجلة «حواء» وكلّف أمينة السعيد برئاسة تحريرها كأول رئيسة تحرير مصرية.. ثم رأست تحرير مجلة «المصور»، ثم رأست مجلس إدارة دار الهلال.. وهى أول امرأة مصرية تُنتخب عضواً فى مجلس نقابة الصحفيين وأول امرأة تتولى منصب وكيل النقابة.. وكانت عضواً فى مجلس الشورى وسكرتيراً للاتحاد النسائى.. ترجمت عدة أعمال من الإنجليزية وألّفت عدداً من الكتب والروايات.. وقد كرّمتها الدولة بوسام الاستحقاق من الدرجة الأولى ووسام الجمهورية من الدرجة الأولى ووسام الفنون والآداب من الدرجة الأولى.
هذا تلخيص لما قرأته وعرفته عن سيرة أمينة السعيد.. وإليكم ما كتبه أحد «الدعاة» عن نفس السيرة على شبكة التواصل: «كان الطبيب المصرى أحمد السعيد ذا تطلعات أوروبية وميْل لتقليد الغرب وتنشئة بناته تنشئة غربية، ووُلدت له أمينة وهو فى الصعيد فانتقل للقاهرة ليُلحق بناته بالمدارس الأجنبية، وفى ظل هذا الفكر نشأت أمينة التى تميزت من طفولتها بالتمرد واللهو، وتلقّفتها هدى شعراوى لتصنع من ميولها الأوروبية وسلوكياتها المتمردة ناطقاً شاباً باسم التحلل والارتماء فى أحضان الحضارة الأوروبية.. كانت ضمن أول دفعة من الفتيات ينتسبن إلى كلية الآداب التى كان عميدها المستغرب طه حسين. ثم انتقلت إلى مؤسسة صحفية متخصصة فى نشر السموم ضد الإسلام ودعاته، تُدعى دار الهلال، التى أسسها الصليبى الهالك جورجى زيدان الذى وقف حياته على تشويه التاريخ الإسلامى وخلفائه الميامين، بأكاذيب صاغ بها قصصه المتعددة، التى كتبها بدافع من الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين».. قلت للشاب الذى جاءنى يكرر هذا الفُحش الذى قرأه على لسان «الداعية»: هلا جربت أن تنفّذ أمر الله تعالى «فتبيّنوا»؟ فسألنى: كيف؟ فقلتُ له: انسَ ما قلته لك وما قاله «الداعية» واقرأ بنفسك ما كتبته أمينة السعيد لا ما كُتب عنها.. واقرأ مؤلفات جورجى زيدان واحكم هل هذا رجل وقف حياته على تشويه التاريخ الإسلامى؟ واقرأ إصدارات دار الهلال لتتأكد بنفسك هل كانت فى أى وقت داراً متخصصة فى نشر السموم ضد الإسلام؟.. بعد أيام جاءنى الشاب معتذراً لأمينة السعيد.. رحم الله أمينة السعيد وغفر لها ولنا.