أتابع يومياً وبحسرة على القنوات الأوروبية مشاهد فرار السوريين من بلدهم العربى إلى سواحل اليونان فى قوارب مطاطية، مستخدمين أياديهم فى التجديف. ومن اليونان ينطلق السوريون الهاربون من الجحيم إلى مأوى فى أى دولة أوروبية تستقبلهم.
والدول الأوروبية منقسمة حول تزايد أعداد السوريين المهاجرين، ويطالبون الدول الأوروبية الحدودية باتخاذ التدابير اللازمة، والدول الحدودية لديها من المشكلات ما يجعلها تعجز عن استضافة كل هذه الأعداد فتتركهم يعبرون لدول أخرى انطلاقاً من اتفاقية حرية التنقل بين الدول الأوروبية.
والإعلام الأوروبى كله اتخذ من هذه الظاهرة عنواناً رئيسياً لكل النشرات والصحف على مدى أكثر من شهر. وهذا طبيعى، فأوروبا لديها مشكلة، فكل السوريين المهاجرين مسلمون، والبعض يرى أن هذا يشكل خطراً على التركيبة الديموجرافية الأوروبية.
وتركيا التى يرفض الاتحاد الأوروبى انضمامها لأنها دولة مسلمة، تقوم بدور خفى فى مساعدة السوريين للهرب من بلادهم إلى أوروبا، ظناً أن تغيير التركيبة الديموجرافية لأوروبا قد يساعد فى انضمامها للاتحاد الأوروبى.
كل هذا والإعلام المصرى غارق فى المحلية لدرجة التغافل عن تلك الظاهرة التى تشكل تهديداً للأمن القومى العربى كله، وكأن سوريا ليست دولة عربية، بل على العكس فإن هناك دولاً عربية تقف ضد النظام السورى وتدعم المعارضين له، ودولاً عربية أخرى تدعم النظام ضد المعارضين من أجزاء من سوريا، ودارت حرب ضروس لأكثر من عام قُتل فيها مَن قُتل، وهرب الملايين خارج تلك الدولة العربية الكبيرة.
والولايات المتحدة تضحك على العرب وتعلن أنها تحارب «داعش»، ولكنها هى من سمحت بوجوده ومساندته ولا يزال. والنتيجة لكل هذا العبث العربى والدولى أن تم تفريغ سوريا من غالبية أهلها، وهذا التفريغ لا يصب إلا فى مصلحة إسرائيل إن كنا نتذكر أنها عدو مغتصب يعيش وسط العالم العربى.
وإسرائيل لمن لا يتذكر.. لديها علم واضح المعالم ويحدد غايتها القومية، وتلك الغاية هى إقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، ومع استمرار عملية التفريغ سوف يكون الامتداد والتوسع الإسرائيلى فى سوريا قد اقترب من الفرات. وظنى أنها تنتظر لحظة مناسبة للتوغل داخل الأراضى السورية، ولِمَ لا؟! فهل يظن مسئول إسرائيلى واحد أن دولة عربية واحدة سوف تتأثر أو تتحرك لإنقاذ أرض سوريا. بالتأكيد لن يحدث، فالعرب لا يعرفون ماذا يريدون؟! ولا يدركون المخاطر الدولية التى تحدق بهم؟!
والسياسات تتغير بتغيير القيادات إذا تغيروا.. والحسابات الشخصية تطغى على الحسابات الوطنية والقومية فى كثير من هذه البلدان.
ولا توجد غاية قومية محددة لأى دولة عربية على عكس إسرائيل التى لا تغيب عن أعينها وأذهانها غايتها القومية.. أبداً مهما كانت الاختلافات الحزبية. والمقاومة الوحيدة التى تتوقعها إسرائيل هى من دولة أجنبية اسمها روسيا، ولأن المصالح هى التى تحدد تحركات القادة، فقد قام بنيامين نتنياهو منذ أيام قليلة بزيارة مهمة إلى روسيا والتقى «بوتين» فى محاولة لتحييده، ولم يسأل أحد منا ما الذى يدفع «نتنياهو» لزيارة روسيا فى هذا التوقيت بالذات؟!
والإجابة الطبيعية أن مصلحة إسرائيل تتفق تمام الاتفاق مع فكرة تفريغ سوريا دون حرب، فأهلها وجيرانها يقومون بالواجب وأكثر دون أن يبذل جندى إسرائيلى واحد أى جهد. وحتى لا يعرقل الدب الروسى هذه الفكرة، فيجب إحداث تقارب معه، فإن فشل التقارب ستحاول إسرائيل مرة واثنتين وأكثر.
وكلنا نتحدث فقط عن أن مصير سوريا هو التقسيم، ورغم ما فى هذا الأمر من خطورة على الأمن القومى العربى، فإن أحداً لم يسعَ لمنع هذا التقسيم. وفى ظنى أن الأمر الآن بات واضحاً بجلاء، فالخطر أكبر من ذلك، فقد يحدث التقسيم بالفعل، ولكن سيكون هناك جزء لصالح إسرائيل من هذه القسمة.
هكذا، سيقضى العرب على بعضهم البعض من أجل مصالح أعدائهم.. فليس لدى العرب أى خطة لمواجهة الأخطار التى تحيط بهم من كل جانب. والحكمة تؤكد أنه إذا لم يكن لديك خطة، فأنت بالتأكيد جزء من خطة الآخرين. وربما يكون هذا المقال متأخراً فى توقيته، ولكننى وجدت من الضرورى أن أشارك بهذه الكلمات كمحاولة فردية يائسة كى تلتفت أنظار العرب إلى ظاهرة واضحة وضوح الشمس، وهم يتعمدون تجاهلها.
فالخطر قادم على الجميع، ففى سنوات قليلة ضاعت العراق وضاعت سوريا وضاعت اليمن وضاعت ليبيا. والبقية تأتى طالما استمرت الغفلة.