رأس مال «فكيهة»: خُضرة «بايتة» ومفتاح شقة يتدلى من عُقد
رأس مال «فكيهة»: خُضرة «بايتة» ومفتاح شقة يتدلى من عُقد
«فكيهة» أمام بضاعتها فى سوق سليمان جوهر
جلباب أسود يستر بدناً أثقلته الهموم، أنهكته رحلة شقاء تجاوزت 60 عاماً، لكنه ظل صامداً متشبثاً بالحياة، يجنى فتات الرزق على فرشة خضار فى سوق «سليمان جوهر» بالدقى.
«فكيهة محمود»، تبيع «الخُضرة» رغماً عنها، حاولت كثيراً أن تترقى فى مهنتها، وتنافس تجار الخضراوات والفاكهة من حولها، لكن العقاب كان يأتيهاً فوراً، تأخذ نصيبها من جيرانها ويلقنونها درساً سرعان ما تنساه، وتطالب من جديد بترك «الخضرة» التى تذبل سريعاً، خاصة مع التغيرات المناخية السيئة، التى تعرضها لخسائر مادية كبيرة.
شمسية بـ200 جنيه اضطرت «فكيهة» إلى شرائها لحماية سبَت «الخضرة» من أشعة الشمس أو الأمطار، تظل قابعة أسفلها من 8 صباحاً حتى أذان العشاء، ثم تلملم بضاعتها التى باعت منها القليل، وتعود لبيتها المتواضع محنية الظهر من عناء اليوم.
رغم عمرها المديد، الذى يظهر فى تقاسيم وجهها العبوس، وعينيها شبه المغلقتين، تحتفظ «فكيهة» بحُليها القديمة، التى تذكرها بأيام الصبا والجمال، فإذا بها تأتى إلى السوق يومياً مرتدية قرطها الذهبى وعقدها المتدلى منه عملة معدنية ومفتاح شقتها، لا تنسى مطلقاً إسورتها المشغولة بحبات مختلفة الألوان «لبنى وأصفر وبمبى». أما دبلتها فقد استبدلت بها أخرى من الفضة، واستقرت فى يدها اليمنى، غير عابئة بتلك الشكليات.
معارك يومية تحدث فى السوق، وتكون «فكيهة» شاهدة عليها، وهنا تتباين ردود فعلها، فتارة تتبرع لحلها باعتبارها الأكبر سناً من بين التجار، خاصة السيدات، وتارة أخرى تنزوى بخُضرتها، خشية أن تجنى من «الضرب» جانباً، ويتلف رأس مالها فى غفلة منها. تلك الحكمة التى اكتسبتها مع مرور الوقت وكثرة المواقف التى تورطت فيها بسذاجة.
حلم وحيد يظل عالقاً فى ذهن «فكيهة»، يطاردها أينما ذهبت، ألا يلقى أبناؤها مثل مصيرها، فيتركون السوق بمشاكله ومعاركه اليومية، وأن تنعم بسجدة فى الحرم المكى تشفع لها عند بارئها، وتزيدها فخراً بـ«زبيبة الصلاة» المستقرة بوضوح على جبهتها المليئة بالتجاعيد.