السينما «النظيفة»: رفضت «المايوه».. وحملت «السنجة»
السينما «النظيفة»: رفضت «المايوه».. وحملت «السنجة»
فاضل
على مدى عقود طويلة، تعرض المجتمع المصرى لمجموعة من التغيرات التى عكستها السينما المصرية، لتتحول إلى مؤشر مجتمعى، يرصد مدى التغير فى ثقافته وبنيته الإنسانية، ولكن بمرور الوقت، بدأت تجتاح السينما عبارات، ومشاهد، ومعالجات، شكلت صدمة بالنسبة للجمهور، من خلال جرأة فى التناول، أسهمت بشكل أو بآخر، فى التأثير على سلوك المشاهدين، وكان آخرها موجة أفلام «البلطجية»، التى تحمل أوزار انتشار حالات العنف بين المراهقين فى الآونة الأخيرة والتى انتقلت من السينما إلى الدراما. وأشار الناقد محمود قاسم إلى مرور السينما بمرحلة من التغيرات الاجتماعية، والسياسية، أدت إلى اختلاف المعالجات السينمائية من مرحلة لأخرى.
«فاضل»: الفن لا ينقل الواقع كما هو وإلا سيصل لمستوى لا يمكن الحديث عنه.. وقاسم: المجتمع تغير وأفلام البلطجة أسوأ من العنف
وقال «قاسم»: ما كان مقبولاً فى فترة ماضية، لم يعد مقبولاً فى الوقت الحالى، مثل «بدلة» الرقص الشرقى، التى كان تمتلئ بها الأفلام المصرية، أصبحت فى الوقت الحالى شيئاً من الماضى، كما أصبح التعامل مع «المايوه» بنفس المنطلق، فقليل من الأفلام تعرضه فى مشاهدها، فى الوقت الذى كان من الطبيعى وجود «المايوه» فى الأفلام المصرية، ما يعكس نوعاً من التغيرات المجتمعية، وأصبح المجتمع أكثر عرضة لمناقشة موضوعات، كان من الصعب مناقشتها فيما سبق، مثل فيلم «حمام الملاطيلى»، الذى تناول الشذوذ الجنسى، وهو أمر لم يتعامل معه المجتمع فى ذلك الوقت، ولكننا الآن نشاهد تلك القضية، فى أكثر من عمل سينمائى وتليفزيونى.
وتابع «قاسم» لـ«الوطن»: شهدت فترة السبعينات، جرأة فى تناول بعض الأعمال، من خلال التركيز على جوانب العرى أو الجنس، فى الوقت الذى تميزت فيه الرقابة بتفتح شديد، وجاء منع تلك الأفلام من خلال جهات أخرى، مثل فيلم «المذنبون»، للمخرج سعيد مرزوق، المأخوذ عن قصة نجيب محفوظ، ولو كانت تلك الأفلام أُنتجت فى الوقت الحالى، كانت ستواجه أزمات أكبر من التى أثيرت وقت طرحها، ولكن التغيير طرأ على المجتمع، من خلال إدخال ألفاظ السب داخل سيناريوهات الأعمال السينمائية، والتى اعتبرها البعض فى ذلك الوقت، امتداداً لثقافة الشارع، ومنها سب عبدالمنعم إبراهيم، لوالده يحيى شاهين، فى أحد أجزاء ثلاثية نجيب محفوظ، بقوله «يا ابن الكلب يا بابا»، أو من خلال الأزمة التى واجهت فاتن حمامة، بعد تكرار العبارة نفسها، فى فيلم «الخيط الرفيع»، ووقتها قامت الدنيا، وأثارت أزمة كبيرة، لعدم تعود الجمهور على سماع تلك العبارات على شاشة السينما، ولكن الآن أصبحت تلك العبارات طبيعية، ومتداولة فى الأعمال التليفزيونية بشكل طبيعى، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.
ووصف «قاسم» مسرحيتى «مدرسة المشاغبين»، و«العيال كبرت»، بـ«النكسة الأخلاقية»، وتابع قائلاً: نجحت المسرحية الأولى فى أن تهدم حائط الاحترام المتبادل، فى العلاقة بين التلميذ والمدرسة، وحطمت كل الوقار والاحترام فى علاقة التلميذ بالناظر، والمدرس، والمدرسة، بشكل فج، وفى قالب كوميدى وصل للطلاب، على اعتبار أنها شىء مقبول، لينتقل إلى هدم منظومة الأسرة، بمسرحية «العيال كبرت»، من خلال علاقة الأولاد بوالدهم ووالدتهم، والتى جاءت أيضاً على شاكلة المسرحية السابقة، لتشجع الأولاد على انتهاج تلك الممارسات، لذلك يعد العملان أسوأ نكسة أخلاقية حدثت فى تاريخ الفن المصرى، خاصة مع طرح فيلم ومسرحية لـ«مدرسة المشاغبين» فى العام نفسه، قبل أن تتبعها مسرحية «العيال كبرت»، واستمرار إذاعتهما فى أوقات متقاربة على مختلف القنوات.
وبالنسبة للظواهر الجديدة فى السينما المصرية، التى أدت إلى انهيار فى أخلاق المراهقين، قال «قاسم»: «ظاهرة أفلام البلطجة، وتقطيع أجزاء من الجسم البشرى، هى أبشع مشاهد من الممكن تقديمها فى أعمال سينمائية، ففى البداية كانت الظاهرة عبارة عن راقصة فى ملهى ليلى، وبلطجى يرافقها، ثم أصبحت الأعمال تتمحور حول البلطجى، وما لديه من الأسلحة البيضاء، وسط ممارسات مختلفة للسرقة، وتجارة المخدرات، وغيرها من أشكال العنف البدنى والأخلاقى المقدم للمراهقين، وتعد تلك النوعية أسوأ من أفلام الرعب، ولن أسامح مقدميها على شحن الثقافة المصرية، بهذا القدر من العنف الشديد والمنفر، كما فى أفلام «إبراهيم الأبيض»، و«عبده موتة»، و«الألمانى» وغيرها.
وفيما يتعلق بالدراما التليفزيونية، يرى المخرج محمد فاضل، أن هناك موجة من العادات، والممارسات السلبية، التى اجتاحت المسلسلات خلال الفترة الأخيرة، بشكل قد يتسبب فى كوارث أخلاقية.
وقال «فاضل»: هناك وجود قوى للأعمال غير الجيدة، من ناحية القيم والممارسات الأخلاقية، مقابل الأعمال الجيدة، وهذا الوضع بدأ فى الظهور والانتشار، فى الوقت الذى تراجعت فيه الدولة عن الإنتاج، وعن دعم الجيد، لتغيب حالة التوازن التى خلقتها الدولة، أمام الإنتاج الخاص، ليظل الجانب التجارى هو المسيطر على الوضع، ما عدا مجموعة من الأعمال، تصدى لها المنتجون وفقاً لقيمة العمل الفنى، ولكن سيطرة كيانات الإنتاج التجارى، تجعل الأمر يتحول من سيئ إلى أسوأ.
وأضاف «فاضل» لـ«الوطن»: الفن ليس نقلاً للواقع بشكل حرفى، ولكنه إعادة صياغة من خلال معالجة درامية، وإلا سوف نصل بالفن إلى مستوى لا يمكن الحديث عنه، وهناك مجموعة من المعالجات كانت تصلح للسينما فقط، باعتبار أن رواد السينما من الناضجين، ولكن التليفزيون فى الوقت الحالى، أصبح يرى تلك المعالجات، بحجة أن «اللى مش عاجبه معاه الريموت»، ولكن يجب أن نضع فى الاعتبار، عدم قدرة البعض على الاختيار، سواء من الأطفال، أو من أصحاب المستوى التعليمى والثقافى المحدود.
وتابع: فكرة أن الفن رسالة، لا يجعله بالضرورة «تُقل دم»، ولكن هناك ما يعرف بـ«فن الفرجة»، وذلك أن تستطيع أن تقدم رسالتك الفنية، والثقافية، أو الأخلاقية، من خلال معالجات ممتعة وجذابة، تنجح فى جذب الجمهور، وتقديم وجبة مفيدة وممتعة بالنسبة له، أو على الأقل تكون خالية من الابتذال والإسفاف.