للأسف، كانت كل معلوماتى القديمة عن الأفلام الهندى هى الدموع والفواجع والميلودراما واللامنطق فى الأحداث.. إلى آخر تلك البديهيات، التى عشنا نتناقلها، حتى أصبحت مثلاً على أى تخاريف تقال ولا تصدق فنصفها بأنها فيلم هندى، ظللت متشككاً ومتوجساً من سينما «بوليوود» لمدة طويلة، متأثراً بالنظرة المصرية السائدة التى فرضتها علينا دور سينما الدرجة الثالثة التى تدخل إليها فى التاسعة صباحاً، ولا تخرج إلا بعد المغرب!! كسرت دائرة الشك الجهنمية عندما تعرفت على عامر خان، أو أمير خان، هذا الممثل الهندى الفيلسوف المفكر، الذى لم يقتنع بأن دوره محصور فقط فى أن يكون «مشخصاتياً» يؤدى دوره بإتقان، بل إن دوره يتجاوز هذا الحيز المحدود إلى ما هو أبعد ويحفر فى الوجدان ما هو أعمق، الفنان له دور اجتماعى فى التغيير، هذا هو إيمان عامر خان، الذى ترسخ وجعل منه رمزاً سينمائياً فى الهند استحق معه اللقب الذى أطلقوه عليه هناك «منشد الكمال»، تابعت أفلامه وحمّلتها من على النت، وقد كتبت من قبل عن فيلمه الرائع PK، شاهدت أمس فيلم taare zameen par وترجمته نجوم على الأرض، فيلم خالٍ من أى توابل تجارية على الإطلاق، ظهر فيه البطل عامر خان المفروض أن الفيلم إنتاجه وإخراجه ويسوق باسمه بعد ساعة وعشر دقائق من بداية الفيلم!!، البطل الحقيقى هو إيشان، طفل فى الثامنة من عمره، المدرسة تقول عنه فاشل، وأهله يصرخون من شقاوته، درجاته فى المدرسة فى الحد الأدنى دائماً، متأخر عن أوتوبيس المدرسة، مشتت الانتباه فى الفصل، لكنه يعشق الرسم وجمع الأسماك الملونة والنظر إلى السماء والتحليق فى الخيال ومراقبة البشر والطبيعة، الأب يصر على إلحاقه بمدرسة داخلية عشان يتربى صح، هناك يعاقبه مدرس اللغة، لأنه لا يفسر الشعر، كما هو مكتوب فى المنهج، مدرس الألعاب يعاقبه لأنه لا يتقن الخطوة العسكرية، مدرس الرسم يضربه على أصابعه بالمسطرة، لأنه لا يرسم الأشكال الموجودة على السبورة، يستمر هذا القمع والإحباط الذى تحول إلى خوف ورعب عند الطفل، حتى يأتى إلى المدرسة مدرس رسم جديد يطلب من الأطفال أن يرسموا ما يحلو لهم ويساعدهم بالأغانى والرقص، يلاحظ انطواء إيشان، يبدأ فى البحث فى كراساته فيكتشف أنه مصاب بالديسلكسيا، مرض تعسر القراءة والكتابة، عندما قال الطفل للمدرسين ولم يصدقوه حينذاك أن الحروف تتراقص كان صادقاً ويعنى ما يقول، الحروف والأرقام يراها وكأنها فى مرآة، بث المدرس الطمأنينة فى قلب الطفل، وأخبره بأن أينشتين ودافنشى ووالت ديزنى وأجاثا كريستى كانوا يعانون من تلك الصعوبة، بدأ المدرس رحلة صعبة وجميلة مع «إيشان»، كان الرسم وكانت الألوان عمادها الأساسى، حتى تخطى الطفل سور الفشل العظيم، بل وحقق المركز الأول فى الرسم عندما تحرر من قوالب التنميط المدرسية الجامدة، المدهش أكثر من الفيلم نفسه هو أن وزير التعليم الهندى قد أصدر قراراً بإدخال الفيلم فى مناهج مدارس الابتدائى هناك بعد أن شاهده!!.
إنه فيلم هندى، لكنه الأصدق والأروع والأكثر إحساساً بالواقع وبدور الفنان الحقيقى.