نحن نعيش فى زمن العبث، لا يستطيع خيال يونيسكو وبيكيت وهما رائدا مسرح العبث أن ينسج خيالهما مثل هذا العبث والعكّ واللخبطة التى تحدث على أرض المحروسة، هناك فرق بين عبث الغرب العلمانى الكافر الذى يقوده الليبراليون وبين عبثنا الإيمانى المؤمن الورع الذى يقوده الإخوانيون، هناك يشاهدون العبث على خشبة المسرح كمتفرجين، أما عندنا فنحن الممثلون والمؤلفون والمخرجون والخشبة نفسها!.
المشهد العبثى الأول: شيخ يطل علينا تحت شعار «لازم حازم» يؤكد أن قبيلته من المتظاهرين السلميين الذين اقتحموا خيام المعتصمين بكل رقة وهدوء وملائكية وجدوا فيها ما يخدش حياءهم، غضوا الطرف عن كراتين التفاح المتناثرة فى الخيمة برغم أنهم على ثقة أنها وارد أمريكا الصليبية التى تؤجرهم وتدفع لهم، ولكنهم وجدوا وياللهول خموراً وترامادولاً! -لزم التنوين والإعراب السليم حتى لا نتهم بإهانة الدستور الذى يؤكد على تعريب العلوم- المهم أنهم بالرغم من ضبطهم لهذه المنكرات للساقطين والساقطات لم يوجهوا أى أذى لهم، بعدها جاء شيخ آخر وداعية جليل على قناة «الحافظ» الطاهرة ليضفى على المشهد الأكشن بعض بهارات البورنو والسكس، فأضاف أن الإخوان والسلفيين قد وجدوا فى الخيام أفخر أنواع الخمور من فئة الـ«آى دى»! والمطهر المهبلى لزوم منع حمل ما بعد جماع المعتصمين والمعتصمات، والأخطر وجود الواقى الذكرى لزوم نفس الغرض الشيطانى!، فركت عينىّ ودعكت أذنىّ، هل ما أشاهده مشهداً من مسرح العبث، «واقى ومطهر»!، اعتقدت أن المعتصمين أخطأوا الطريق واعتصموا أمام مركز تنظيم الأسرة!، إلى هذه الدرجة بلغت السربعة والشبق فى الخيمة المزنوقة أمام «الاتحادية» يا فجرة يا فسقة يا عبدة الشيطان، إذا بليتم فاستتروا يا ثوار، ألقِ بواقيك الذكرى فى سلة القمامة إنك فى الاتحادية المقدسة، وادلقى مطهرك اللامؤاخذة فى البلاعة إنكِ يا فاجرة يا عاهرة أمام قصر الرئاسة!، ألا ترتعشون من جلال المشهد الرئاسى، وأعتقد أن كلام منسق «لازم حازم» وشيخ قناة «الحافظ» لا بد أن يصدقه المصريون الحريصون على عفة وعذرية مصر ونقائها، ذلك لأن ما حدث وتابعناه جميعاً بعد اقتحام الخيام والطبطبة على المتظاهرين أن قنوات بورنو القمر التركى أرسلت بمراسليها لتصوير ما يحدث داخل الخيام على الهواء مباشرة وبالطبع لم تغفل هذه القنوات الإباحية تصوير علب الجبنة النستو بعد أن كتبوا على غلافها يحظر تناولها لمن هم أصغر من 18 سنة!، وللأسف نمى إلى علمى أن هذه القنوات فى طريقها لإنشاء شركة إنتاج تركية مصرية تحت اسم ونيس عثمانلى فيلم، وستبدأ بإنتاج باكورة أعمالها وهو فيلم «حرام فى الخيمة حلال فى الطريق الزراعى»!.
المشهد العبثى الثانى: أنا باحاورنى وأجادلنى وباناقش إعلانى معايا!، كنت أود من د. مرسى توفير العناء والعنت والبنزين والجلوكوز وطلبات الشاى وعزومة الغدا ووضع مرآة ضخمة فى صالة قصر الاتحادية يجلس أمامها لطرح مقترحاته ثم إعلان إلغاء إعلانه الدستورى واستبداله بفرمان آخر وانتهت المسألة، أما تصريح الكتاتنى بأنه قد قبل الحوار ووافق عليه فأستطيع أن أقول إنه يتفوق على مسرحية فى انتظار جودو التى ظل فيها البطل ينتظر حتى نزل الستار ولم يصل جودو بعد، وكذلك الثورة ما زالت لم تصل بعد.
المشهد العبثى الثالث: المرشد خلفه صورة مصاب معارض مكتوب تحتها إنه من شهداء الإخوان، ونائب المرشد يؤكد أن الغالبية الكاسحة من مظاهرات «الاتحادية» من المسيحيين، وأن هناك تسجيلات لمؤامرات داخلية وخارجية ومكالمات محمول لإعلاميين أشرار بيخططوا لهدم الدولة وإسقاط مرسى!، اعتقدت للحظة أننى أشاهد كمال الشناوى فى فيلم «الكرنك» ولكننى خفت من ظهور فرج فجأة فسارعت بإغلاق التليفزيون قبل أن يمزق ملابسى وربك ستار ع الولايا!، ما هى كل هذه السلطة ومن هم هؤلاء وما هى حيثيتهم إذا كان كل هؤلاء ينتمون لجماعة رافضة حتى هذه اللحظة أن تدخل فى إطار قانونى حتى لا تراقب ميزانيتها؟!، هنا تحول العبث بلغة الدراما من بيكيت إلى كافكا حيث يستيقظ الإنسان ذات يوم فيجد نفسه مسخاً لا يعرف هل هو إنسان أم حشرة؟، المصرى يقاوم أن يكون مسخاً، ومصر تثور على منطق الدهس بالأحذية لأنها لا يمكن أن تكون حشرة.