(1)
جاءتنى فكرة هذه المبادرة من زيارتى لشواطئ البحر الأسود قبل سنوات.. ثم متابعتى للسياسة والاقتصاد فى محيط هذا البحر المهم. وقد أعجبت بالتسوية الاقتصادية التى توصلت إليها الدول المطلَّة.. من معاهدة جرى توقيعها أوائل التسعينات، ثم منظمة جرى تأسيسها فى أواخر التسعينات.
إن منظمة التعاون لدول البحر الأسود، والتى تضم (12) دولة، هى منظمة ملهمة لنا لتأسيس «منظمة التعاون لدول البحر الأحمر» والتى يمكنها أن تضم (8) دول فى عضويتها.
(2)
يمثل البحر الأحمر قيمة اقتصادية واستراتيجية مهمة، ثم إنه يمثل مجالاً تاريخياً وحضارياً بارزاً.. إنه البحر الأكثر ملوحة، والتى تصل مساحته إلى نحو نصف مساحة مصر، يحمل الكثير من تراث الماضى والأكثر من آفاق المستقبل.
كان البحر الأحمر الصلة بين الجزيرة العربية وما وراءها، وشرق أفريقيا وما حولها لقرون طويلة.. وكانت الهجرات من الساحل العربى إلى الساحل الأفريقى لا تتوقف.. كما كانت الهجرات الأفريقية هى الأخرى قائمة ومتكررة.. ويقول الأكاديمى السعودى الدكتور عبدالرحمن الأنصارى الذى دعا مصر فى السابق إلى تأسيس «مركز حضارى» للبحر الأحمر: إن هناك إثيوبيين يعتقدون أنهم من الجزيرة العربية.. كما أن ملك الحبشة كان يضم فى لقبه «ملك اليمن».. بعد أن غزا الأحباش اليمن.. فكان ملك إثيوبيا و«حميَر وسبأ».
إن «أبرهة الحبشى» هو أحد ملوك الأحباش الغزاة فى اليمن.. وهو الذى خرج إلى مكة المكرمة قاصداً هدم الكعبة.. فكان العقاب الإلهى الذى جاء ذكره فى «سورة الفيل».. كان ذلك بعد أن أسقط الأحباش «مملكة حميَر» عام 521 ميلادية.. بعد أن تحالفوا مع البيزنطيين ثم تمكنوا من حكم اليمن. وكانت قريش بدورها تعرف إثيوبيا جيداً.. وحين ازداد أذى قريش للمسلمين الأوائل.. أمرهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالهجرة إلى الحبشة نظراً للعدالة المعروفة عن مَلكها.. كما أوفدت قريش وفداً لاسترجاعهم.. ما يدل -بحسب «الأنصارى»- على عمق العلاقة بين قريش والبلاط الحبشى فى تلك الأثناء.
(3)
يذكر بعض المؤرخين أن «بلاد بونت» لم تكن تشير إلى الصومال وبعض أجزاء شرق أفريقيا وحدها، بل كانت تضم أيضاً الجزيرة العربية.. وأن مصر حين كانت تتبادل التجارة مع بلاد بونت.. إنما كان ذلك عبر التمدد الاقتصادى والتجارى لمصر من خلال البحر الأحمر فى الضفتين الغربية والشرقية على السواء.
(4)
إن مصر هى موجز تاريخ البحر الأحمر.. بمثل ما أنها موجز تاريخ الحضارة.. وإن قيامها بتأسيس هذه المنظمة.. لا يدعم الحوار والاحترام بين دول البحر الأحمر فحسب.. بل يفتح الطريق لأن تنطلق اقتصاديات البحر الأحمر إلى حقبة حديثة من التعاون تعيد التاريخ بإمكانات الحاضر.
إن مصر غرباً والسعودية شرقاً يمكن أن تكونا ركيزتى هذه المنظمة.. كما أن وجود أريتريا وجيبوتى واليمن يعزز من ضمانات حماية مضيق باب المندب ومن ثم قناة السويس، كما أن وجود الأردن وفلسطين والسودان يعزز من «التعاون العربى الأفروآسيوى» على نحو غير مسبوق.
(5)
ثمة مؤسسات لا بد منها قبل الانطلاق.. تأسيس «جامعة الغردقة».. ولولا أن السودان الشقيق قد سبق وأسس جامعة البحر الأحمر فى بورسودان فى أواسط التسعينات لكان الأنسب أن يكون اسمها جامعة البحر الأحمر.. ولكن اسم الغردقة على أى حال اسم عالمى كبير.. وستحظى جامعتها بالشهرة الكافية قبل أن تبدأ. كما تحتاج مصر إلى تأسيس «منتدى البحر الأحمر الاقتصادى»، وكذلك تأسيس «منتدى البحر الأحمر لحوار الحضارات».
تحتاج مصر كذلك إلى تطوير «ريفييرا البحر الأحمر الشمالية» فى جنوب سيناء، ثم «ريفييرا البحر الأحمر الجنوبية» من الجونة إلى حلايب.
(6)
إن مدينة الغردقة مناسبة تماماً لتكون مقراً للأمانة العامة للمنظمة.. كما أن انعقاد «مؤتمر الغردقة للدول المطلة على البحر الأحمر».. ثم أصدر «إعلان الغردقة» التأسيسى لـ«معاهدة» ثم «منظمة» التعاون لدول البحر الأحمر.. هى خريطة الطريق لهذا التجمع الذى يمكنه أن يتجاوز فى الفرص والبدائل.. ما هو متاح لمنظمة التعاون لدول البحر الأسود.
■ إن تأسيس «منظمة التعاون لدول البحر الأحمر» ضرورة وطنية لبلادنا وهى تبنى «الجمهورية الثالثة».
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر