د. نصر فريد واصل لـ«الوطن»: «الشريعة الإسلامية والتمتع بالحياة» وجهان لعملة واحدة.. والناس أعداء ما يجهلون
قال الدكتور نصر فريد واصل، عضو الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور مفتى الديار المصرية الأسبق: إن الخوف من تطبيق الشريعة ليس له ما يبرره، مبينا أن البعض يستخدمه كفزاعة فقط للتخويف، مضيفا: لو جرى تطبيق أحكام الشريعة فى الدساتير السابقة، فإننا لم نكن نرى الفساد «اللى احنا فيه النهارده».
وأضاف، فى حواره مع «الوطن»: إن الشعب يلعب دورا محوريا بصحبة القانون فى تطبيق الشريعة الإسلامية، التى تعد الوجه الآخر للحياة التى خلقها الله ليتمتع بها الإنسان فى مختلف مجالات الإبداع، موضحا أن تطبيق الحدود أمر مستحيل، مشددا على أن الخلاف على المادة 220 المتعلقة بتفسير كلمة «المبادئ»، ليس هناك ما يبرره.
* هل الوقت ملائم لفكرة تطبيق الشريعة فى مصر بعد الثورة؟
- باعتبار أن الدولة إسلامية، وأن المادة الثانية بالدستور نصت على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، يعنى أن كل ما يتعلق بالحياة وبالتشريعات وبالقوانين يأتى طبقا لما تقرره الشريعة الإسلامية، لكن تطبيق الحدود على سبيل المثال، يحتاج تهيئة المجتمع لتقبل فكرة تطبيقها.
* كيف ترى تخوف بعض التيارات المدنية من مفهوم تطبيق الشريعة؟
- الخوف من تطبيق الشريعة الإسلامية فزاعة يستخدمها من يريد منع الشريعة بكل ما لها من حقوق وواجبات فى الحياة، ومفهوم الشريعة هو عقيدة وعبادة ومعاملة، والعقيدة علاقة بين الإنسان وخالقه، وكذلك ممارسة العبادات، فيها الحرية المطلقة للإنسان، ومفهوم العبادة العام يعنى كل ما يتعلق بأمور الحياة: أن يكون الإنسان أمينا فى عمله، ومحققا لمصلحة ذاته والوطن والآخرين؛ فهذا أمر تتفق عليه الشرائع السماوية. وبالنسبة للمخاوف، أليست عندنا قوانين الآن مثل العقوبات والجنايات والأحوال الشخصية؟ أليست هذه قوانين تحكمنا جميعا؟[Image_2]
* وماذا عن الفرق بين مبادئ الشريعة وأحكامها؟
- المبادئ عبارة عن الأسس والإطار العام الذى يحفظ ما يتفق عليه الجميع، ولا يختلف عليه أحد، ونسميها المبادئ العامة المتفق عليها فى كل الشرائع والديانات السماوية، ولا يمكن للمشرع الخروج عليها، وتجب مراعاتها أثناء التشريع، وداخل هذه الدائرة يمكن أن يتخير بينها ما يتناسب مع العباد والبلاد، والمشرع يختار من المبادئ والأحكام العامة ما يتناسب، شرط ألا يخرج على الأسس والأطر العامة، ولا يخرق القاعدة أو الجوانب الفقهية ومذاهبها الأربعة أو مذاهب الصحابة والتابعين أو العرف والعادات التى تعامل معها الناس.
* هذا يعنى أن هناك فهما ضيقا من قبل البعض تجاه تفسير الشريعة؟
- طبعا، لأن معنى الشريعة هو الحياة، وأن تجعل الإنسان يتمتع بها، وجهان لعملة واحدة، الحياة متاحة له يتمتع فيها ويأخذ منها ما يشاء، الله جعل كل متع الدنيا للإنسان نفسه يتمتع بها، والمحرمات المحظورة جاءت بالنص وبالتحديد عليها، ومع ذلك ترك الإسلام، أو كما نسميها الشريعة، للإنسان أخذ ما يشاء.
* كيف تطبق الشريعة إذن؟
- القانون هو المنوط له التطبيق؛ لذلك نقول الدستور يخاطب المشرع الذى يختار ما يتناسب مع الصالح العام، والتشريع هنا، أى المجتمع، يختار الجهة أو الأفراد الذين ينتخبهم برغبتهم لاختيار التشريعات بالنيابة عنه فى البرلمان، التى تكون لصالحهم، وإذا جرت الموافقة على التشريع وأصبح قانونا، وجب على القضاة والأفراد الالتزام به أمام القانون.[Quote_1]
* وإذا كان الوضع، كما صورتَه فضيلتكم، بسيطا، فلماذا خرجت بعض المواد بالدستور مذيلة بعبارة «بما لا يخالف شرع الله»؟
- «بما لايخالف شرع الله» أى لا يخالف المجتمع؛ لذلك فى البداية قلت شرع الله جاء لمصلحة المجتمع، ولذلك البرلمان الذى اختاره الناس بإرادتهم هو الذى سيحدد لهم التشريعات، وليس أحدا آخر؛ إذ إن الأمر يعود للمجتمع الذى يختار نواب البرلمان ويفوضهم لإقرار التشريع الذى يصبح قانونا فيما بعد.
* هل توجد حاليا قوانين تخالف الشريعة الإسلامية وتحتاج لتعديل؟
- فى قانون العقوبات ما يتضمن مواد الشريعة الإسلامية، ويسمى قوانين تعزيرية، وتوجد عقوبات حدية لا يخرج عليها أحد ولا يلغيها، أما التعزيرية فمتروكة للقضاء يقول إن العقوبة بين الحدين الأعلى والأدنى، والقاضى يختار بينهما، ولا يرجع القاضى للشريعة أو الفقه الشرعى، ولو كان القانون قد راعى عند صدوره الأخذ من الشريعة لانتهت المشكلة، بدليل أن التفريق بين الزوجين فى الزنا يختلف فى الحقوق الإنسانية، وإلا لماذا فرَّق بين الزوج وقال لا بد أن تكون جريمته على فراش الزوجية، وإذا ارتكبها خارجه لا يعاقبه القانون، أما الزوجة فإذا ارتكبتها فى أى مكان آخر تعاقَب، خلافا للشريعة التى تقول إن الاثنين فى الجريمة سواء.
* ذلك يعنى أن القانون المصرى به ما يحتاج إلى تعديل؟
- طبعا، القوانين الجنائية من حيث الظاهر أغلبها متفق مع الشريعة الإسلامية لكن مصدرها الذى أخذت منه لا يتعلق بالشريعة للأسف.
* كيف يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية وفقا للقوانين المصرية؟
- العبرة بالمجتمع نفسه الذى يهيئ للمجلس النيابى أن ينظم الحياة التشريعية بما يغير من هذه القوانين ما يصلح له حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية حسبما يحتاج.
* هل ترى أنه يمكن تحقيقه فى ظل رفض التيارات المدنية؟
- الكل سيتدخل فى الأمر، والقوى المدنية عند الانتخابات تدخل فى هذا الإطار، قوى الشعب مهمتها التشريع وإذا حدث فيها خلاف لا بد أن يصدر بأغلبية برلمانية حتى إن كانت أغلبية مدنية.
* ماذا عن أزمة تطبيق الحدود وتعارضها مع مبادئ حقوق الإنسان؟
- مسألة الحدود يكاد يكون من المستحيل تطبيقها عمليا فى الوضع الحالى، إلا بعد أن يتوافر كل ما يتعلق بالإنسان فى حياته وكفايته من طعام وشراب وملبس وسكن، ومن المستحيل تطبيق الحد إلا إذا كان هناك دليل يثبت الإدانة 100%، وتكون بالاعتراف فقط.[Quote_2]
* هل تجوز الاستعاضة بعقوبة الحد المنصوص عليها بأى من العقوبات الحالية؟
- نعم، ويجب إذا كانت هناك شبهات، وحديث الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، يقول: «ادرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم»، يعنى مراجعة المعترف بذنبه وتكرارها، لعله يتراجع عن الاعتراف، فضلا عن عدالة الشهود إن لم يرتكبوا كبيرة من الكبائر ولم يكونوا مُصرِّين على صغيرة من الصغائر. وفى جريمة الزنا على سبيل المثال يستحيل تطبيقها؛ لأن الشهود الـ4 يجب أن يثبتوا الواقعة، وهذا يستحيل، إذن يبقى الاعتراف فقط، وتطبيق العقوبة الموجود الآن بشكل تعزيرى؛ فالشريعة الإسلامية ليست ضد حقوق الإنسان ومن يقول عكس ذلك فليأتنى بمادة واحدة تثبت صحة كلامه.
* معنى ذلك أن عقوبة الحد لا تطبق على رموز النظام السابق والرئيس السابق؟
- نعم، تطبق العقوبة التعزيرية رغم أنهم سرقوا مليارات، فالناس أعداء ما جهلوا.
* ماذا عن حرية الإبداع والفن فى تطبيق الشريعة الإسلامية؟
- الحياة جميعها من حق الإنسان أن يتمتع بها، سواء فى الأدب أو الفن أو السياحة أو الموسيقى، سواء النشيد الوطنى أو التى تشجع على الحرب أو غناء العمال، والحرية مقيدة بما ليس فيه ضرر، عكس أفلام العرى التى يترتب عليها فساد.
* ماذا عن الجدل بشأن المادة المتعلقة باحتكام غير المسلمين لشرائعهم بالدستور؟
- هذا من باب الاطمئنان للأمور المتعلقة بعبادتهم وتنظيم أمورهم الروحية والاحتكام إلى شريعتهم فى أمورهم الخاصة؛ فهذا لهم، وإذا أرادوا الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية فالأمر لهم، سواء فى الميراث أو القانون العام الذى يحكم الجميع.
* ماذا عن الجدل الدائر بشأن المادة 220 المفسرة لكلمة مبادئ فى باب الأحكام العامة؟
- وجودها من عدمه سواء، لكنها من باب الاطمئنان؛ هناك فريق متخوف من أن المبادئ تتسبب فى تعطيل الشريعة، والبعض يخاف من المغالاة بسببها، والدستور الآن متوازن، والخلافات أقل من 5%.
* ماذا عن وضع المرأة؟
- وضع المرأة فى الشريعة مثل الرجل؛ لها جميع الحقوق والواجبات، لا يوجد فرق ما عدا مايتعلق بالخصوصيات.[Quote_3]
* لكن البعض يخاف من التشدد مع صعود التيار الإسلامى؟
- الشعب موجود، وهو الضمان الحقيقى، وعلى المجتمع أن يتكاتف حتى يكون البرلمان المقبل متوازنا، والشعب لا بد أن يكون مؤهلا لذلك؛ فهو مصدر السلطات.
* وهل فضيلتكم مع وضع مادة بالدستور خاصة بالزكاة؟
- الزكاة من العبادات وأركان الإسلام، وهل سنضع مادة للصلاة؟ الزكاة أمر واجب، لكن تنظيمها يحتاج تشريعا، وتكون لها هيئة أمناء خاصة حتى توصلها لأصحابها الشرعيين وحتى لا تستولى عليها الدولة وتضيعها، وكان مقترحا وضع مادة بشأن كيفية قيام الدولة بجمعها، لكن ذلك قد يتسبب فى امتناع الناس عن دفعها مثل الضرائب.
* وهل تطبيق الشريعة الإسلامية يقلل من نسبة الحوادث؟
- نحن لسنا ملائكة، ولا يوجد مجتمع يخلو من المعصية حتى فى عصر الأنبياء، وإذا طُبقت الشريعة فى عمومها أصبح هناك أمان، ولو كانت قد طُبقت أحكام الشريعة فى المادة الثانية فى دستور 71 لم نكن نشهد «الفساد اللى احنا فيه النهارده».
* كثيرا ما نصطدم ببعض المصطلحات مثل القروض والبنوك التجارية.
- أنا ضد فكرة القروض؛ لأن القروض بفائدة محددة بعيدة عن دراسة الجدوى الحقيقية فى المشروعات الاستثمارية، ومجرد أنها تأخذ فائدة على المال، ويستهلك أو لا يستهلك ينتج أو لا ينتج أمر خطير، وهو ما أدى إلى ظهور الرأسمالية الطاغية، أصحاب الأموال أخذوها بالقروض بطريقة معينة ولا يعطون العمال حقوقهم، وبعضهم كان يعلن إفلاسه ويضيع حقوق البنوك، أما النظام الاقتصادى الإسلامى فهو نظام متكافل ولا يوجد شخص يأخذ ما لا يستفيد منه، ولا يرد الحق المقابل له، والعكس الصحيح.
* لكن من الممكن أن يخشى المستثمرون من فكرة خضوع الاقتصاد لتطبيق الشريعة.
- المسألة تبدأ تدريجيا، مثل ما هو موجود حاليا من بنوك تسير وفق المنهج الإسلامى والبنوك التقليدية، المهم هو التشجيع، ونقول: إن البنوك الموجودة حاليا تتجه اتجاها بسيطا لتعديل نظامها فقط ستكون نظاما إسلاميا، مثل الفرق بين القرض بفائدة بمجرد ما تعمل دراسة جدوى حقيقية وتحدد العائد والربح من المشروع ولا تأخذه من رأس المال السابق.
أخبار متعلقة:
«مواجهة الشريعة» فى مواد «الدستور»
د. محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق لـ«الوطن»: يجب استثناء 50 مليوناً لا ينطبق عليهم «حد الكفاية» من الشريعة