مع التعثر المتواتر لمباحثات سد النهضة، ومع ارتفاع بنيان السد يوماً بعد يوم، أصبحت مخاطر التداعيات الوخيمة للسد على مصر على وشك دق الأبواب. وتأتى التداعيات الثقيلة للسد ومصر لديها ما يكفيها من قضايا مائية صعبة، بل وتفاقمت أثناء فترة السنوات الخمس الماضية نتيجة لما شهدته البلاد من انفلات شعبى وتراخ حكومى. وأصبحت مصر الآن فى أشد الحاجة لتبنى استراتيجية واضحة، وجهد تنفيذى مكثف للتعامل مع هذه القضايا المائية المعقدة، التى نسرد هنا منها ما يلى:
■ قضية الندرة المائية التى تعانى منها البلاد، فقد أصبح نصيب الفرد من المياه أقل من 625 متراً مكعباً سنوياً، وتدنى نصيب الفرد من الأراضى الزراعية إلى حوالى قيراطين فقط، مقارنة بفدان ونصف للفرد فى فرنسا، وأصبحت مشاكل نقص مياه الرى والشرب منتشرة فى معظم أرجاء الدولة، وارتفعت فاتورة الفجوة الغذائية (الفرق بين ما نستهلكه وما ننتجه) لحوالى 7 مليارات دولار سنوياً.
■ قضية التدهور الشديد فى قطاعات الترع والمصارف بمختلف أنواعها كنتيجة مباشرة للتطهير الميكانيكى الجائر خلال العقود الماضية، التى أدت إلى تشوه قطاعاتها المائية مما ضاعف من فواقدها المائية، وقلل كثيراً من قدراتها على نقل المياه بالكفاءة المطلوبة للاستخدامات المختلفة. ذلك بالإضافة إلى تدهور المنشآت المائية من محطات الطلمبات وقناطر وكبارى وهدّارات ومآخذ وسحّارات وبدّالات، وتفاقم مشاكل نقص المياه فى نهايات الترع فى العديد من محافظات مصر مما أدى إلى قيام المزارعين باستخدام مياه الصرف الزراعى والصحى فى الرى، وما لذلك من تداعيات صحية وبيئية خطيرة.
■ قضية التعديات الهائلة على نهر النيل ومرافق الرى والصرف ومخرات السيول بأشكالها المتعددة من مأخذ مياه رى غير قانونية، وتوصيلات مخالفة للصرف الصحى على المجارى المائية، ووضع اليد على مساطيح الترع والنهر، ووضع اليد على طرح النهر، والبناء والزراعة على مخرات السيول، وردم النيل.
■ قضية تضاعف المساحات المزروعة أرزاً، حتى وصلت إلى ما يقرب من 2.5 مليون فدان، مما أدى مشاكل نقص مياه فى معظم أجزاء شبكة الرى، وإلى إهدار المياه التى نعانى شحاً فيها، وإلى مشاكل متفاقمة للصرف الزراعى.
■ قضية التوسعات الزراعية العشوائية فى مئات الآلاف من الأفدنة بوضع اليد وبفتحات رى مخالفة أو حفر آبار جوفية بدون تصاريح، والتوسع فى ملاعب الجولف وحمامات السباحة على المياه الجوفية على طريق مصر - إسكندرية الصحراوى، ومصر - الإسماعيلية الصحراوى، وبدون محاسبة أو تقنين.
■ قضية إعادة استخدام مياه الصرف الصحى فى الزراعة بدون التزام بالكود المصرى الذى ينظم هذه الاستخدامات ممّا أدى إلى تدهور الأراضى الزراعية وتلوث المنتجات الزراعية وتهديد البيئة والصحة العامة.
■ قضية انتشار مئات الآلاف من الأفدنة لمزارع سمكية مخالفة، ومنها ما يستخدم مياه الصرف الزراعى الملوث بالصرف الصحى وما لذلك من تداعيات كبيرة على الصحة العامة. ومن الصعب إغلاق أو إزالة هذه المزارع التى يعمل بها عشرات الآلاف من الأيدى العاملة وتوفر الأسماك بسعر مناسب للطبقات الكادحة.
■ قضية تفاقم مشاكل البناء على الأراضى الزراعية والتوسعات العمرانية العشوائية، مما أدى إلى انتشار الترع والمصارف خلال المناطق السكنية، واستخدام الأهالى لهذه المجارى المائية للتخلص من النفايات الصلبة والسائلة، فتحولت إلى مصادر للأوبئة والحشرات والزواحف الهائمة والحيوانات الضالة.
■ قضية تزايد مشاكل تلوث المجارى المائية بالصرف الصحى والصناعى والمخلفات الصلبة، كنتيجة مباشرة لنقص عدد ونوع وكفاءة وحدات المعالجة، وعدم وجود إطار مؤسسى لجمع القمامة والتخلص الآمن منها فى معظم القرى المصرية، ولنقص الوعى الشعبى والحكومى، وعدم الرقابة والمتابعة، والتراخى فى تطبيق القوانين واللوائح.
■ أزمة انخفاض منسوب المياه الجوفية فى الواحات فى الوادى الجديد وفى طريق مصر الإسكندرية الصحراوى، وفى الظهير الصحراوى لمحافظات أسيوط والمنيا وبنى سويف. وأصبحت عشرات المزارع الاستثمارية على طريق مصر - الإسكندرية الصحراوى مهددة بالبوار نتيجة التوسعات الزراعية العشوائية والإسراف الكبير فى استخدامات المياه الجوفية فى المنتجعات والبحيرات الصناعية وحمامات السباحة الفاخرة.
■ قضية المعدّلات البطيئة لمشاريع تطوير الرى السطحى فى العديد من المحافظات المصرية، وارتفاع تكاليفه على الفلاح ممّا يعوق من استرداد التكلفة، وتنازع الاختصاصات بين وزارتى الرى والزراعة، فأصبح يمثل عائقاً رئيسياً لبرامج ترشيد الاستخدامات المائية الزراعية. لقد تزايدت الحاجة إلى إعادة النظر فى المشروع ومكوناته وإعادة هيكلته بما يتناسب مع أولويات تطوير منظومة الرى فى مصر والوضع المائى والمالى للبلاد.
■ قضية أزمة توقف المشاريع الزراعية القومية لاستصلاح ملايين الأفدنة، التى تم إنفاق عشرات المليارات عليها، ومع تغير الإدارات تتغير الاهتمامات وعلى حساب أموال الشعب الكادح. ومن هذه المشاريع ترعة السلام وتوشكى وترعة الحمام، وامتداد ترعة الحمام ووادى النقرة.
■ قضية الإسراف المائى وإهمال ترشيد الاستخدامات المائية غير الزراعية فى قطاعات مياه الشرب والصناعة، والحاجة المتزايدة لإعادة تأهيل شبكات مياه الشرب لتقليل فواقد التسرب التى تمثل إهداراً لثروتنا المائية المحدودة ويزيد العبء على الحكومة لإنشاء وحدات تحلية لتوفير الاحتياجات المستقبلية.
■ قضية نقص الكوادر الفنية الماهرة والكوادر القيادية، نتيجة مباشرة لضعف الرواتب والحوافز والتدريب والضعف الإدارى. يتزايد العجز فى عدد المهندسين فى القطاعات الحكومية، بينما تتكدّس الكوادر الإدارية والعمالة غير المؤهلة مما يعوق تحقيق الإدارة الفعّالة لمشكلة شح المياه فى البلاد.
■ أصبحت المنظومتان الإدارية والتشريعية لإدارة المياه السطحية والجوفية غير ملائمتين لظروف البلاد وندرة المياه، ويجب تطويرهما ولوائحهما التنفيذية، وبما يردع من التجاوزات ويحفز على الترشيد ويحافظ على الموارد المائية من الاستنزاف والتلوث.
■ قضية التغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية المتوقعة على إدارة المياه فى مصر سواء من زيادة فى الاحتياجات المائية للمحاصيل الزراعية فى البلاد، أو من تملّح وتآكل الأراضى الزراعية الخصبة فى منطقة الدلتا.
■ قضية سد النهضة، والذى يعلو بناؤه وأعلنت إثيوبيا عن اكتماله عام 2017، بينما لم تتخذ الدولة أى إجراءات أو خطط للتعامل مع تداعياته الخطيرة، وكذلك تداعيات السدود الأخرى التى ستليه.
■ وأخيراً أم المشاكل، وهى الزيادة السكانية الهائلة للبلاد والتى تسبب ضغطاً كبيراً على ميزانية الدولة المرهقة، وعلى مواردها الطبيعية ومرافقها المثقلة.
هذه الكبسولات هى جزء من كل، وتمثل أزمات كبيرة تحتاج إلى كفاءات مميزة وجهد وعرق وعمل متصل للتعامل معها، والتغلب على مشاكلها فى إطار وعى سياسى وشعبى أكبر بأهمية المياه فعلاً وليس قولاً.