(1) جورج أورويل، الأديب البريطانى، محارب الظلم والاستبداد:
فى مثل شهر يونيو عام 1903، وُلد فى الهند الأديب البريطانى إريك آرثر بلير، الذى اشتُهر بالاسم المستعار «جورج أورويل». وهو صحفى وروائى بريطانى كان يشتهر أدبه بالذكاء وخفة الظل والتحذير من غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولى وإيمانه الراسخ بالاشتراكية والديمقراطية.
أكثر ما عُرف به هو عمله التخيّلى، رواية «1984» التى كتبها فى عام 1949 وروايته المجازية «مزرعة الحيوان» عام 1945. فلقد بيع منهما معاً نسخ أكثر من أى كتاب آخر لأى من كتاب القرن العشرين. وفى عام 2008 وضعته صحيفة «التايمز» فى المرتبة الثانية فى قائمة «أعظم 50 كاتباً بريطانياً منذ عام 1945».
وقد طبعت أعمال «أوريل» الثقافة السياسية السائدة حتى أصبح مصطلح «أوريلية» يصف ممارسات الحكم الاستبدادى والشمولى، وأدخلت فى الثقافة الشعبية ألفاظاً عديدة من ابتكاره مثل «الأخ الأكبر»، «الكلام المزدوج»، «الحرب الباردة» و«جريمة الفكر» و«شرطة الفكر».
وفيما يلى موجز خاطف لعمليه الأشهر، ولا تعليق أو إسقاط!
«1984»
فى كابوس المستقبل الذى تحدق فيه من كل حائط صور عملاقة ينظر فيها «الأخ الأكبر» شزراً، وتُكتب الوقائع مغلوطة عمداً، وتنقلب القيم والحقائق رأساً على عقب، وتحيط بالمستبد الأكبر بطانة صغيرة من الخلق المُصمّمين للسيادة على الباقين، يسمّون الأوائل (يُرمز لهم بحرف ألفا، الحرف الأول فى الأبجدية اليونانية)، ويُنظّم المجتمع لكى يخدمهم الباقون.
فى هذا الجحيم، عاش كاتب متواضع اسمه «ونستون سميث» يعمل فى وزارة «الحقيقة»، التى تنحصر مهمتها فى طمس الحقائق ونشر الأكاذيب الداعمة لسلطة الاستبداد، عن طريق إبقاء الناس فى عتامة الجهل بما يجرى، وتذيع فقط الأخبار التى تشغل العقول وتلهيها عن الفكر الحر.
غير أنه داخل هذا الشخص العادى المُغيَّب بالخمر و«الحقائق»، وربما بسبب طبيعة عمله، تشتعل جذوة خبيثة من السعى وراء الحرية والعدل والحب، إن أمكنه. الأمر الذى يستتبع معارضة هيمنة الدولة الاستبدادية.
ولكن الجذوة تنطفئ بسبب يقظة «شرطة الفكر» وحرص صديق مخادع على النظام القائم وعلى سلامته الشخصية، ومعاناة العنف والكُره الأبديين، وقضم الجرذان لأطرافه فى المحابس. ولكن حتى بعد أن عانى الخيانة والتعذيب الهمجى إلى أن تداعى وباع روحه للمستبدين به، يُلقى بـ«ونستون» فى «ثقب الذاكرة» الذى لا قعر له.
«مزرعة الحيوانات»
شنت «الحيوانات» انقلاباً على السلطة القائمة، ومنعت جميع «البشر» من دخول الضيعة التى غُيِّر اسمها إلى «مزرعة الحيوانات» وأصبح شعارها «أربع أرجل أفضل». وتزعمت «الخنازير» المتعلمة السلطة، فارضة على كل حيوان دوراً جديداً. غير أن نزاعاً نشب بين الخنزيرين القياديين: «نابليون» و«كرة الثلج» انتهى بإجبار الأخير على الاختفاء وتغيير اسمه فى المزرعة إلى «الطين».
كما غُيِّرت القواعد: قُضى على المساواة، وأصبح بعض الحيوانات «أكثر تساوياً من الآخرين» وأصبحت الخنازير النخبة الجديدة وبدأت المشى على قدمين. واشتد الاستبداد عن ذى قبل بمراحل. فحُوّلت الحيوانات المعترضة إلى ضحايا تمزق كلابُ «نابليون» حلوقهم بأنيابها. وتزاوجت السلطة مع الفساد، فتردت الخنازير المتنفذة فى قيعان الخبائث. وأعيدت للمزرعة تسمية «الضيعة».
(2) الفاشية تجلب نهايات بشعة لمؤسسيها:
يوليو 2014
الفاشية ظاهرة تدعو إلى التأمل العميق؛ فعلى سطوتها الغاشمة والكاسحة إبان صعودها، تنتهى نهايات مخزية تصاحبها ميتة بشعة لمؤسسيها وكبار العاملين لها.
يعد بنيتو موسولينى من الشخصيات الرئيسية فى تأسيس الفاشية. وقد بدأ «موسولينى» بالتغيير فى إيطاليا بإلغاء كل الأحزاب الأخرى، فكان على الشعب أن يصوّت للحزب الفاشيستى فقط، وكان على الشباب أن يتعلموا مبادئ الفاشيست، وكان يقول لهم: «أن تعيش يوماً واحداً مثل الأسد خير لك من أن تعيش مائة عام مثل الخروف». كان على الصغار الالتحاق بمعسكرات التسييس الفاشيستية وكان يتم إعدادهم كجنود صغار وكان شعارهم المفروض (الإيمان/ الطاعة/ القتال). امتلأت الساحات والشوارع بتماثيل «موسولينى» وبجداريات كبيرة تخلد أفعاله، كما بدأت حركة تنظيم شاملة للأطفال والفتيان وطلبة المدارس والجامعات على استخدام السلاح وحفظ الأناشيد القومية الفاشية، وبدأت حملة تجريد العشرات من الصحفيين من هوياتهم فى النقابات الصحفية، كما أغلقت جميع الصحف والمجلات الأدبية. مع إجبار الناس على وضع صورة القائد فى غرف النوم وأن توقد العائلات الشموع فى عيد ميلاده. وتشكلت لجان فى طول البلاد الإيطالية وعرضها من كتاب الدولة لإصدار قوائم سوداء بالمثقفين المحظورين، وبأسماء الكتب المعادية التى يجب حرقها وإتلافها ومنعها من التداول. ولكن فى النهاية عُلّق «موسولينى» وعشيقته من أرجلهما مقلوبين فى محطة للبنزين فى مدينة ميلانو لتعدمهما الجماهير الغاضبة، وهذه هى طريقة الإعدام المخصصة للخونة فى روما القديمة التى حاول «موسولينى» إعادة أمجادها.
كما قام «هتلر» بدور خطير فى الترويج للفكر النازى من خلال وزيره جوزيف جوبلز الذى أدار آلة للدعاية الجهنمية التى صوّرت أدولف هتلر للألمان على أنه المنقذ لهم ولألمانيا. و«جوبلز» هو أحد أبرز من وظَّفوا واستثمروا وسائل الإعلام فى هذه الحرب النفسية وهو صاحب شعار شهير يقول: «اكذب واكذب، حتى يصدقك الناس»، وقد اتبع أسلوب الكذب الممنهج والمبرمج الذى يهدف لتحطيم الخصوم فى الترويج لمنهج النازية. ويعزى إليه أيضاً القول المشهور: «كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسى»، وقد شكلت ممارساته فصلاً دموياً من فصول محاكم التفتيش فى التاريخ. وأكدت خبرة «جوبلز» أن الذى يملك وسائل الإعلام قد يملك القول الفصل فى المعارك السياسية، ولو إلى حين.
وبعد أن أقام «هتلر» الدنيا وتسبب فى كوارث ومآسٍ لا حصر لها، قام بالانتحار بإطلاق النار داخل فمه وهو يضع فيه كبسولة سم سيانيد، وألقيت جثة «هتلر» وجثة إيفا براون -عشيقته التى تزوجها فى اليوم السابق لانتحاره- فى حفرة صنعتها قنبلة. كما انتهى وزير إعلامه نهاية فاجعة، فبعد موت أدولف هتلر أقدم «جوبلز» على الانتحار مع زوجته وأطفاله الستة، الذين تراوحت أعمارهم بين 4 و11 سنة. وقد أعطت زوجته السم لأبنائها ففارقوا الحياة بعد ربع ساعة من إعطائهم للسم، وبعد وفاة أبنائه، أقدم هو وزوجته على الانتحار.
وفى حالة مصر، يكفينا اعتبار المصير الذى آل إليه محمد مرسى العياط، ومن كانوا يحكمون مصر من ورائه.
كنت قد نشرت فى 21 يوليو 2013 تحت عنوان «مشاهد السقوط الأخير لجماعة الإخوان المنافقين»، قائلاً تحت عنوان فرعى «الدمية تلقى جزاء جرائم محركيها»: إن محمد مرسى العياط شخصية مأساوية، تراجيدية بلغة الفنون، بكل معنى الكلمة، وسينتهى كشخوص التراجيديا الإغريقية، نهاية فاجعة.
فماذا عن المستقبل الآتى؟