فيما أعتقد، ومن منطلق وجهة نظرى المتواضعة والمتقزمة أمام عظمة الإسلام ومعناه، يمكننى تلخيص الإسلام فى كلمات قليلة وهى أن الإسلام، ذلك الدين الحنيف، هو إسلام وجوه المخلوقات للخالق سبحانه وتعالى والإقرار بألوهيته وعظيم عظمته والإيمان بكل ما جاء فى القرآن الكريم (ذلك الكتاب المرسل من الله الخالق للبشر كافة) من تعاليم إلهية أرسلها الله للبشر فى كتابه المنزل لما فيه خير دنياهم وآخرتهم. واتباع ما جاء فى القرآن وفى السنة النبوية من مكارم الأخلاق والسلوك القويم والابتعاد عما نهى عنه القرآن الكريم والكتب السماوية السابقة له وما نهى عنه سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).. إذن فمن لب الإسلام كدين هو أن نتبع تعاليمه وأن ننأى عن كل ما نهى عنه.. وإذا نظرنا إلى كل ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه سنجد أن الله سبحانه وتعالى الخالق العالم والعليم بعباده لم ينههم على الإطلاق عن أى شىء حسن أو حتى مقبول أو حتى فيه أدنى فائدة لبنى آدم.. فكل ما نهى عنه الله سبحانه وتعالى الخالق هى المنكرات والخبائث وسيئ الخلق.. وتعالوا نحصر قدر المستطاع معظم ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه لتأكيد أنه سبحانه وتعالى لم ينهَ الإنسان سوى عن كل ما يضره ويضر المجتمع الإنسانى من حوله.
نهى الله سبحانه وتعالى عن الشرك به «والعقل السليم والمنطق الرشيد حتماً يسلمان بوحدانية الله»، نهى الله سبحانه وتعالى عن عقوق الوالدين، نهى الله سبحانه وتعالى عن النفاق، نهى الله سبحانه وتعالى عن الرياء وعن الكبر والاختيال، نهى الله سبحانه وتعالى عن قتل النفس إلا بالحق وغلظ حرمة الدماء، نهى الله سبحانه وتعالى عن السرقة والاختلاس والرشوة والفساد والإفساد فى الأرض، نهى الله سبحانه وتعالى عن الإضرار بالمرأة أو تحقيرها أو سلب حقوقها المعنوية والمادية، نهى الله سبحانه وتعالى عن الربا وعن أكل ونهب أموال اليتامى.. نهى الله سبحانه وتعالى عن الكذب كما نهى سبحانه وتعالى عن العدوان وسلب أموال الضعفاء، كما نهى عن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وكذلك نهى عن منكرات الشراب من خمر «لما فيه من أضرار بالغة على شاربه وعلى المجتمع» بينما أحل للإنسان جميع المشروبات عدا الخمر.. وكذلك أحل للإنسان جميع أنواع الطعام إلا لحم الخنزير والقليل من لحوم الطير والحيوانات، إذن فالله الخالق سبحانه وتعالى عندما نهى الإنسان عن أشياء، فإنما نهاه عنها وحرمها لمصلحة الإنسان ولمصلحة المجتمع الإنسانى ككل.
ودعا الله الإنسان لمحاسن الخلق، للتوحيد، والإيمان، والصلوات، وذكر الله والخضوع لألوهيته.. لكن كما دعا سبحانه وتعالى لذلك فقد دعا لمكارم الخلق: للتكافل والتضامن، والصدق والأمانة، والوفاء والبر والإخلاص فى العمل «إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه» (حديث شريف) والكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تدعو إلى إتقان العمل، وعدم نقض العهود.. وكذلك دعا سبحانه وتعالى للعلم فى العديد من آيات القرآن والعديد من الأحاديث النبوية «هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، «إنما يخشى الله من عباده العلماء».. وكلنا نعرف ونحفظ بفطرتنا وما نجده فى آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ما حلله الله وما نهى عنه، وكلنا نعلم أن كل ذلك من لب وجوهر الإسلام وأن الإسلام كدين ليس هو فقط الصلاة والصوم وذكر الله، بل المكمل لكل ذلك اتباع ما أمرنا الله أن نفعله فى سلوكياتنا وما نهانا سبحانه وتعالى عن الاقتراب منه أو اقترافه.
لذلك ففيما أعتقد أنه بنظرة ثاقبة ومتفحصة لحالنا سنجد أن الإسلام حقاً حاضر بيننا فى التوحيد والصلاة والصيام وفى ذكر الله لدرجة معقولة (مع الوضع فى الاعتبار أننا مهما صمنا وصلينا وذكرنا الله فلن نوفيه ولو ذرة واحدة من حقه سبحانه وتعالى)، لكن للأسف فإن الإسلام كدين تعاملات وسلوكيات وأخلاقيات غائب تماماً من مجتمعنا.. فمن منا إذا عمل عملاً أتقنه؟! من منا غير مدمن للكذب عمال على بطال لدرجة القسم بالله كذباً؟! من منا لا يسرق؟ من منا لا يغش ولا يفسد ولا ينشر الفساد فى الأرض؟
(على فكرة مجرد كسر إشارة المرور أو السير عكس الطريق هو إفساد فى الأرض).. من منا لا يزوّر؟! من منا لا يأكل سحتاً؟ من منا يعيش حياته من منطلق أنا ومصلحتى ومن بعدى وبعد مصلحتى الشخصية الطوفان؟ من منا يسعى بإخلاص لتعلم العلم وتعليمه؟.. كلنا للأسف نعيش خارج منظومة دين الإسلام الأخلاقية والسلوكية.. وكلنا للأسف بعيدون تماماً عن لب وجوهر الإسلام.. وتعالوا ننظر لحالنا.. فللأسف نحن فى الدرك الأسفل بالنسبة للحضارات الحالية.. عندنا الاقتتال والحروب وسفك الدماء والفساد والكذب والغش والنفاق والرياء.. بينما هناك فى الحضارات الغربية والحضارات الشرق آسيوية المتقدمة عندهم جوهر ولب الإسلام.. عندهم الكذب جريمة وحرمة الدماء مقدسة واحترام العمل وضرورة إتقانه مقدس.. عندهم الديمقراطية التى هى فى لب الإسلام وجوهره من منطلق «أمركم شورى بينكم»، ومن منطلق «وشاورهم فى الأمر»، ومن منطلق العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، عندهم التكافل والتضامن الاجتماعى أضعاف أضعاف ما هو عندنا، عندهم أقل الدرجات من مستوى معدل الفساد والإفساد فى الأرض.. عندهم النظافة فى كل شىء بداية من نظافة البدن وحتى نظافة الشوارع وعندنا القذارة فى كل شىء مع أن ديننا يحثنا على النظافة حتى قال رسولنا الكريم (عليه أفضل الصلاة والسلام): «النظافة من الإيمان»، أى إن النظافة من مكونات الإيمان.. عندهم الأمانة والتفانى فى العمل.. عندهم غريزة الانتماء للأوطان أضعاف أضعاف ما هى عندنا.. عندهم الجميع «حتى الغانيات منهم» يعطون للعمل حقه ويتفانون فى إتقان أعمالهم، وعندنا كله بيزوغ من الشغل وكله بيكروت ويطلصق فى أى عمل يسند إليه وجميعنا نتفنن فى أن نعمل قليلاً وبكروتة ونأخذ ونطالب بالكثير.. لذلك فهم فى أعلى سلم الحضارات ونحن للأسف الشديد فى الدرك الأسفل.. لا لشىء سوى لأن جوهر ولب الإسلام هو أخلاقياتهم وسلوكياتهم ومعتقداتهم بينما إسلامنا ولبه وجوهره غائب تماماً عن أخلاقياتنا وسلوكياتنا ومعتقداتنا!!
وتعالوا نتخيل مجتمعنا إذا ما اتبع لب وجوهر الإسلام وكان الإتقان والإخلاص فى العمل والصدق والأمانة وروح الانتماء والبعد عن كل ما نهى عنه الله واتباع كل ما أمرنا الله أن نتبعه فى سلوكياتنا وأخلاقياتنا كيف بالله ستكون النتائج.. أقسم بالله إن فعلنا ذلك واتبعنا لب وجوهر الإسلام وتعاليمه الحقة فما هى إلا سنوات معدودات على أصابع اليد الواحدة ونكون أصحاب حضارة من أعظم وأقوى حضارات الحاضر.. ووالله الإسلام ليس هو التوحيد والصلاة والحج والصيام وذكر الله فقط، إنما كذلك لب وجوهر الإسلام فيما أمرنا الله أن نفعله وأن نتخلق به ونتخذه سلوكاً وفيما نهانا الله عنه.. وبالتأكيد للأزهر الشريف ولعلماء ومشايخ الإسلام لا بد أن يكون دور كبير فى تحقيق ذلك.. وكفاكم يا مشايخنا حديثاً عن إرضاع الكبير والفتاوى الشاذة المقيتة ولتكن مهمتكم هى نشر لب وجوهر الإسلام بين جموع المسلمين.
والله سبحانه وتعالى من وراء القصد.