ما الذى يحتاجه الفلسطينى منِّى أنا، سيدة مصرية تصحو على مجزرة، وتنام على دعاء بالقصاص، ما الذى تنتظره المرأة الفلسطينية من صحفية مصرية لا تملك إلا قلماً ولساناً وقلباً احترقت أوردته وعيناً جفت دموعها.. هل ما أكتبه سيغير فى واقعها ومستقبلها؟، هل ما أقوله فى أى ظهور تليفزيونى سيضمن لها ألا تفقد خلال اللحظة التى تستمع إلىَّ فيها، ابناً أو زوجاً أو أخاً أو حتى روحها ونفسها؟ هل ما أشارك فى إرساله من تبرعات ومساعدات سيسكن آلام قلبها؟ قد يسكن شعوراً مؤقتاً بجوع، قد يعينها على الوقوف ساعات أكثر، لكن الانهيار قادم لا محالة، يا لَه من شعور بالعجز! يا لَه من شعور بالنقص! هم يلمسون النار، ونحن نشعر فقط بحرارتها، فكيف نعينهم؟.. هل نلمس النيران فنصرع جميعاً، أم نوزع أنفسنا على الخطوط، فمن يحترق ينجده آخر، ومن تلمسه النار نعينه على إطفائها؟
أسئلة كثيرة تتردد كل حين، ومع كل موقف تخرج فيه مصر لتضع الخطوط الحمراء، لكل معتدٍ خط أحمر لا يمكن تجاوزه، أنت لست آمناً وشقيقك يستغيث، منهج مصرى أصيل أكدت عليه مصر مؤخراً، من ليبيا إلى السودان ثم فلسطين، المشترك بين الخطوط الحمراء فى المناطق الثلاث ليس اشتراكها فى الحدود مع مصر، بل اشتراكها فى وحدة الدم مع مصر، توجد أسر وعائلات لها فروع فى الدول الثلاث، بل لها فى كل دولة عربية فرع، نحن الأم، ومن رحمها نشأت العروبة، أو وصفت.. بضم الواو وكسر الصاد وبإجماع الأصوات.
هل يرى الفلسطينيون مواقفنا؟.. هل يشعرون بما نشعر به؟ هل يدركون أننا نعيش حياتنا منقوصة، لا فرح يكتمل ودماؤهم تراق وسماؤهم ملبدة بالأرواح تتزاحم فى صعود غير منتظم، هل نفعل فعلنا ليرونا من الأساس؟.. وصلت لهم حبات برتقال «عم ربيع» الصعيدى البسيط الذى قذفها بحماس وحب لتتلقفها قلوبهم.. وصلت لهم كلمات د. ياسمين موسى، ممثلة مصر أمام محكمة العدل الدولية، قالتها باتزان وحكمة وإتقان وثبات، جمعت فى حديثها الحاسم والدال كل شىء، ليتلقفها التاريخ ويعنون ظهورها بـ«مرافعة مصرية تاريخية أمام محكمة العدل الدولية فى ملف الجرائم الإسرائيلية ضد فلسطين».. ومع كل وصول للفلسطينيين، وصول مماثل لنا، من يعيش المأساة، ومن سيقرأها تاريخاً عابراً، نبرئ أنفسنا من العجز والتخاذل الذى وصم غيرنا، نرفع رؤوسنا ونحن ننتصر للمظلوم حتى لو طالتنا يد الظالم، نكذب ماكينة التضليل التى تعيش وتقتات على نفى الدور المصرى، فإذا لم يروه بأعينهم أو يسمعوه على لسان الفلسطينيين أنفسهم، يقرأونه فى التاريخ، أو يسمعونه فى محررات دول أخرى، مكتوباً ومقروءاً بإنجليزية سليمة وبلغة جسد تقول ما لم تنطقه الألسنة: «أنا بنت مصر.. وكل أخ عربى لأخيه شرف دم وجوار».
الكتب تحمى الرسالات، ليس السماوية فحسب، قد نحيا ونروى لأحفادنا قصص الكفاح، وقد نرحل ونتركهم فى مهب ريح عاتية، فلماذا لا نترك لهم الكتاب يحتمون به؟، وكتابهم هنا تاريخ مقرون بوسائط متعددة، كلما يئست، مل إليه، كلما شعرت بالهزيمة طالِعه، من يزايد على مصر، ردّ عليه برابط فيديو المرافعة التاريخية أمام «العدل الدولية»، من يقول إننا شخنا ويئسنا ولم نعد نملك من الفعل إلا النوايا، رد عليه بفيديو العم ربيع وقذائف الرعب التى ألقاها فى قلوب المحتلين.. هكذا رأوها للعلم، من يدعى أن مصر بلا واجهة مشرفة، أرسل له صورة د. ياسمين موسى من مرافعة «العدل الدولية»، ثم أرسل له سيرتها الذاتية، وزد عليه بنبذة مختصرة عن الفريق المصرى كاملاً.. أما أنا فسيكفينى لسنوات لفظ «ممثلة مصر» ففيه فخر لو تعلمون عظيم.
الخلاصة: لا تصمتوا على ادعاء.. «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ».