قبل الهجمات الإيرانية على إسرائيل، قال اللواء يحيى رحيم صفوى، كبير مستشارى المرشد الإيرانى: «الكيان الصهيونى كله يخشى ويشعر بالهلع من انتقام وصفعة إيران المرتقبة، والتى ستجعله يشعر بالندم على ضرب القنصلية الإيرانية فى دمشق».
هذه هى الحالة التى تعيشها إسرائيل على الدوام منذ نشأتها.
وقبل العملية الإيرانية الأخيرة، أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الآثار التى خلّفتها «طوفان الأقصى»، منذ السابع من أكتوبر الماضى، ما زالت تتردد بقوة داخل المجتمع الإسرائيلى، الذى يعانى من «أزمة نفسية عميقة» يصعب تجاوزها.
وفى سياق تغطيتها لعملية إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وصفت صحيفة «هآرتس» المشهد بـ«التعذيب النفسى الضرورى»، وأوضحت الصحيفة أن إسرائيل باتت تنقسم كل مساء، بين أولئك الذين يبكون وهم يشاهدون إطلاق بعض الأسرى (لأن أسيرهم المُنتظَر لم يكن من بينهم)، وآخرين يواسونهم وهم فرحون بتحرير ذويهم.
فى إحصائية لمؤسسة «مكابى للخدمات الصحية»؛ كشفت أن عدد وصفات المهدئات الطبية والأدوية النفسية الخاصة بعلاج الاكتئاب ومضادات القلق والصدمات ارتفع بنسبة (20%) خلال شهر أكتوبر، الذى شهد عملية «طوفان الأقصى»، مقارنة بشهر سبتمبر الذى يسبقه، ووفقاً لتصريحات كبيرة أطباء الأمراض النفسية فى المؤسسة، هناك مرضى غادروا بعد الكشف عليهم دون وصفة طبية للعلاج، وآخرون تم علاجهم بالمشورة فقط عبر الهاتف، وغيرهم تم توجيههم لاستخدام المهدئات الطبيعية، وهو ما يعنى أن العدد الفعلى لمَن يمرون بأزمة نفسية فى المجتمع الإسرائيلى يفوق كثيراً النسبة المعلنة.
وأعلنت مؤسسة «كلاليت»، وهى أكبر مؤسسة خدمات صحية فى دولة الاحتلال وتختص بمعالجة أكثر من نصف الإسرائيليين، أن عدد الوصفات الطبية النفسية ارتفع بنسبة (11%)، خاصة مضادات الاكتئاب والهلع والقلق.
ويعيش الإسرائيليون فى الأراضى الفلسطينية المحتلة الآن حالة نفسية غير مسبوقة، لا أعتقد أن شعباً آخر على سطح الكرة الأرضية يعيشها، وهى حالة متناقضة؛ حيث يتجاذبها شعوران كلاهما لا يستقيم مع الآخر، الأول هو الشعور بالأمان التام من أى أخطار، وهذا الشعور مبنى على إحساس متضخم بالتفوق على شعوب المنطقة المحيطة فى مجالات عديدة، وفى المقابل هناك الشعور بالخوف الذى يتنامى يوماً بعد يوم، ووصل إلى ارتفاع معدلات «النزوح» إلى مناطق أكثر أمناً سواء فى الداخل أو الخارج.
ويعرف الإسرائيليون تماماً أن هناك معاهدة سلام مع مصر، ومعاهدة مماثلة مع الأردن، واتفاقاً تحت حماية الأمم المتحدة لفض الاشتباك مع سوريا، وعلى الحدود مع لبنان تقف قوات اليونيفيل الأممية لاتقاء «شرور» حزب الله، وعلى امتداد المسافة بينها وبين الأراضى التى تقع تحت إمرة السلطة الفلسطينية توجد الجدران العازلة، وهناك القبة الحديدية أمريكية المنشأ، وفوق كل هذا وذاك تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية بشكل شبه يومى التزامها بضمان أمن إسرائيل.
كل هذه المنظومات الأمنية لم توفر للإسرائيليين الإحساس بالأمان داخل دولتهم العنصرية، التى أصبحت «أرض الخوف» لكل من يعيش عليها.
وللحديث بقية.