ربما لم تتنبّه دولة أو جهة مبكراً إلى ما يجرى بالمنطقة والمصير الذى يمكن أن تتحول إليه أكثر من مصر.. ومصر تعبر عنها مؤسسات كثيرة لها متحدثوها وأدواتها فى التعامل مع الرأى العام العالمى.. من القوات المسلحة إلى الخارجية المصرية إلى وزارة التعاون الدولى إلى الهيئة العامة للاستعلامات.. لكننا مع ذلك سنُركز وباختصار شديد حول جهد الرئيس عبدالفتاح السيسى وحده فى التحذير من انفجار الأوضاع إقليمياً.. وحدث ذلك مبكراً جداً.. فبعد ساعات من أحداث ٧ أكتوبر، وفى اتصال هاتفى مع الرئيس ماكرون حذّر الرئيس عبدالفتاح السيسى مما سمّاه وقتها بـ«حلقة مفرغة من التوتر الإقليمى».. وبعدها بأيام، وتحديداً فى اتصال هاتفى مع الرئيس بايدن فى ١٧ أكتوبر حذّر الرئيس السيسى من خطورة الموقف الحالى وأهمية احتوائه بما لا يسمح باتساع دائرة الصراع وتهديد الأمن والاستقرار الإقليميين، بينما الجمعة ٢٠ أكتوبر حذّر الرئيس خلال لقائه بالقاهرة رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، ودعا إلى تحرّك جماعى لاحتواء تطورات قد لا يمكن السيطرة عليها فى المنطقة تتجاوز تداعياتها حق الدفاع عن النفس، قائلاً: «٤٠٠٠ شخص سقطوا فى القطاع، منهم ١٥٠٠ طفل، لا بد من احتواء الأمر حتى لا يتسبب الاقتتال فى وقوع مزيد من المدنيين»! ثم قال حرفياً: «انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية تأثيره مدمّر ويهدّد السلام فى الشرق الأوسط»!
الصيغة ذاتها أطلقها الرئيس فى ٢٨ أكتوبر بعد دخول العدوان على غزة أسبوعه الرابع، قائلاً ومحذّراً خلال مداخلة للرئيس السيسى فى افتتاح الملتقى والمعرض الدولى للصناعة، من «توسّع الصراع الإقليمى»! وهو ما سلطت وسائل إعلام وصحف عالمية كثيرة الضوء عليه، وتناولت ما وصفه الرئيس من تفاقم الأوضاع فى قطاع غزة وتوسيع دائرة التصعيد إقليمياً، مما يؤدى إلى تحويل المنطقة بأكملها إلى «قنبلة موقوتة»!
من بين هذه الصحف والوسائل كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية و«الجارديان» البريطانية وشبكة «إيه بى سى نيوز» الأمريكية، وكذلك صحيفة «تليجراف» البريطانية، وكذلك إذاعة «فويس أوف أمريكا»، وكذلك نقل اتحاد البث السويسرى عبر موقعه الإلكترونى «سويس إنفو»، ومعه مؤسسة «تى فى بى» الإعلامية البولندية وغيرها من صحف ومواقع وفضائيات ووكالات أنباء عالمية!
وفى استقبال الرئيس لوزير خارجية اليونان جورج جيرابتريتيس فى ١٧ يناير الماضى، حذّر الرئيس من خطورة التصعيد العسكرى فى المنطقة على أكثر من جبهة. وفى اتصال هاتفى مع الرئيس بايدن فى ٢٩ فبراير تناول أيضاً مجمل الأوضاع الإقليمية، أكد الرئيس واتفق مع الرئيس الأمريكى على ضرورة تجنّب توسّع الصراع بالمنطقة، واتفقا على استمرار التشاور والتنسيق لضمان استعادة السلم والأمن بالإقليم، بينما خلال استقبال الرئيس وفداً من لجنة الشئون الخارجية فى مجلس العموم البريطانى برئاسة النائبة أليسيا كيرنز، رئيس اللجنة فى ٦ مارس الماضى، أشار الرئيس إلى أن الوضع الإنسانى فى غزة لا يحتمل مزيداً من تأجيل التوصل إلى حلول حاسمة لوقف إطلاق النار، مؤكداً أيضاً على «خطورة اتساع محاور وجبهات الصراع، بما يُهدد الأمن والاستقرار الإقليمى برمته»، ثم شدد -للربط بالقضية الأساسية- على أهمية اضطلاع المجتمع الدولى بمسئوليته الأصيلة فى حماية الفلسطينيين من الكارثة الإنسانية التى يتعرّضون لها، وفى ٧ أبريل الماضى حذّر الرئيس من تطور الأحداث وقال حرفياً خلال استقباله ويليام بيرنز، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية: «نُحذّر من توسّع دائرة الصراع فى المنطقة بشكل يضر بالأمن والاستقرار الإقليميين»!, كل لقاءات واتصالات الرئيس السيسى مع كبار زعماء العالم من الصين وروسيا إلى الولايات المتحدة تناولت التصعيد وانفجار الأمور إلى الإقليم كله.. ورغم انتهاء الردّ الإيرانى فإن المنطقة لم تزل فوق بركان.. والحل فى البحث عن جذور الأزمة، التى هى غزة وما يجرى فيها من تداعيات، وما يحدث ليس إلا عرضاً لمرض مزمن، ولكن لهذا حديث آخر حول الرؤية المصرية الاستراتيجية والشاملة للصراع وللأزمة وللعدوان، سمّها كما تشاء!