هل تريد أن تسمع ما لا يعجبك عن صناعة الفشل فى الأوطان؟
تعالَ أحدثك عن العشوائية ومن يصنعها، العشوائية لا تصنع فقط الفوضى، وليست مجرد قرار خاطئ أو تضارب تصريحات. العشوائية فى أصلها فساد، والفساد كما الصدأ إن أمسك بطرف الحديد لن يتركه إلا وهو أكثر هشاشة من حصان المولد وفارسه، تراه من بعيد تظنه رمزاً للقوة، وما إن تقترب منه يذوب أو ينكسر بدرجة حرارة زائدة أو قبضة يد طائشة.
العشوائية تصنع الفساد، والفساد يهدر المال والأرواح، وخير دليل على ما سبق هو سماعك بأن كوبرى أنفقت عليه الدولة عشرات الملايين انهار قبل أن يبدأ تشغيله، قبل أن تدوسه السيارات والأقدام.
قبل أن تضحك أنقل لك خبراً مؤلماً عن الفساد الذى عشش فى جسد هذه الدولة، وبات يهدد أرواح آلاف الطلاب الذين انتظروا لشهور هذا الكوبرى فى سوهاج ليسهل عملية انتقالهم للجامعة، كوبرى الجامعة الجديد فى سوهاج حدث به انهيار أرضى عقب تشغيله بـ7 أشهر وبلغت مساحة الهبوط فى جسد الكوبرى أكثر من 70 متراً، تقريباً 80% من جسد الكوبرى، وقبل أن يهنأ أهل المنطقة بسهولة الحركة عادوا مجدداً للزحام والخطر.
الطريف فى أمر انهيار الكوبرى هو تلك الروح المرحة التى تعامل بها محافظ سوهاج أيمن عبدالمنعم، ترك سيادته الكارثة وتفرغ لإطلاق النكات فكان أول تعليق له على انهيار الكوبرى: «هو ده الإعجاز الهندسى بتاعنا.. الكوبرى غير مستعمل والطريق لم يسلم.. الحاجة تقع قبل تسليمها».
أرادها المحافظ أن تكون مزحة ولكنه قال الحقيقة، الحقيقة التى لو قالها معارض سياسى لغرق فى سيل اتهامات بالتخوين والعمالة، كما يحدث مع مجلس نقابة الأطباء الذى يدعو للتحقيق مع الأطباء الذين روجوا للناس وهم جهاز علاج الفيروس سى لأنهم باعوا للناس جهازاً طبياً انكشفت كذبته قبل أن تبدأ.
تخيل محافظ سوهاج أنه بالإعلان عن إحالة ملف انهيار الكوبرى للتحقيق قد انتهى دوره، الحقيقة أن المحافظ لو كان جاداً لوضع للرأى العام قائمة عار تضم أسماء كل من ساهم بالإشراف والتنفيذ وكل من تسلّم هذا المشروع وأعلنه جاهزاً للاستخدام وكل من أشاد به واعتبره إنجازاً دون أن يدرس أوراقه، وللأسف هم كثيرون، يتصدرهم مثلاً المهندس إبراهيم محلب الذى زار موقع العمل فى هذا المشروع برفقة 7 وزراء وأطلقوا معاً تصريحات الإشادة بحجم العمل والجهد المبذول من الشركة المنفذة.
من بعدهم كان مجلس جامعة سوهاج برئاسة الدكتور نبيل نور الدين يعلن بعد جولة تفقدية للمشروع توجيه الشكر للشركة المنفذة لأنها التزمت بما وعدت، ووصف المجلس ما فعلته الشركة فى المشروع بأنه إنجاز تم فى وقت قياسى.
هل تشم رائحة «الفهلوة» فى كلام السادة المسئولين الذين حكموا على المشروع الذى انهار بعد 7 شهور ويرونه فساداً الآن بأنه إنجاز تم فى وقت قياسى.
لا تتعجل وتعالَ نرى وجهاً آخر للفهلوة ظهر فى مجلس النواب هذه الأيام، المجلس الذى يُفترض فيه أن ينظم حياة مصر التشريعية ويحدد أولوياتها يعيش الآن مرتبكاً وإدارته ونوابه يكتشفون أنهم فى أزمة لأن قاعة البرلمان لن تكفى حضور كافة النواب كلمة الرئيس الافتتاحية، والآن، الآن فقط يا صديقى، يفكر المجلس فى الحلول، وكأنهم أدركوا فجأة أن القاعة لا تكفى، وأن الرئيس سيحضر.. هل شاهدت فهلوة أكثر إضحاكاً مما نعيشها الأن، هل صادفت عشوائية أكثر إفراطاً من تلك الغارق فيها برلماننا وحكومتنا؟!
أنت تملك الإجابة، وتملك القدرة على الدعاء، ادعُ لهذا الوطن ربما ينقذه المولى عز وجل من عشوائية وزرائه ومحافظيه ومسئوليه.