"الوطن" تنشر حيثيات حكم أحقية الأم في اختيار النظام الدراسي للأبناء بعد الطلاق
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى
قضت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري في الإسكندرية، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاوري، نائبي رئيس مجلس الدولة، خلال جلسة، اليوم، برفض الدفع بعدم دستورية نص المادة 54 في فقرتها الثانية من القانون رقم 126 لسنة 2008، بتعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، التي عقدت الولاية التعليمية للحاضن، وبتأييد قرار الجهة الإدارية برفض تسليم الملفات الدراسية للطفلين "إسراء عمر عيد عمر"، المقيدة بالعام الدراسي 2015/2016 بالصف الأول الإعدادي بمدرسة "النهضة" بإدارة العامرية التعليمية بمحافظة الإسكندرية، بقصد تحويلها إلى مدرسة "النجاح" الإعدادية التابعة لإدارة أبو المطامير التعليمية بمحافظة البحيرة، مقر إقامة الأب، و"محمد عمر عيد عمر" المقيد بالعام الدراسي 2015/2016 بالصف السادس الابتدائي بذات المدرسة، بقصد تحويله إلى مدرسة "النجاح" الابتدائية بالبحيرة، لوجود صراع بين الأب والأم والجدة للأب والجدة للأم، أسفر عن 8 أحكام متلاحقة من محكمة الأسرة بالحضانة وبالولاية التعليمية لهم جميعا.
كما قضت المحكمة، بعدم تغيير النظام الدراسي للطفلين، وفقا لرغبة الأب، وعقدها لأم الطفلين "زغلولة سعيد زكي أبو شنب"، وألزمت الأب "عمر عيد عمر" والجدة للأب "عزيزة علي مصطفى عمرو" والجدة للأم "هدية عبدالله سالم محمود" المصروفات.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، إن الرعاية التعليمية ترتبط بمصلحة المحضون في البقاء عند أمه، لأنها أكثر رحمة وشفقة للأولاد وتعلم أمور النساء للبنات وإن الآباء عقب الطلاق يختارون نظاما تعليميا أقل جودة للصغار نكاية في الأم أو إشعارها بالذل والهوان مما يعرض حياته التعليمية للخطر، وأن تطور الحياة كشف عن أن الأم الحاضنة أكثر من الرجل سداداً وكفاية لتعليم الأطفال، وهي أمور تتعلق بمنافع محضة للمحضون، وأن استخدام المشرع للفظ "الولاية" للحاضن أثار اللبس والأدق أن يستخدم "الشؤون التعليمية"، وهي من مستلزمات الحضانة وأن شطط الآباء وقسوتهم على الأمهات واشتعال تدخل عائلتهما يصيب الأطفال بأمراض نفسية وفقدان الثقة والتخلف الدراسي.
وناشدت المحكمة الرجال: "العقيدة الإسلامية سلوكا متساميا فلا تستبدوا بالزوجات حتى لا يستجير الأطفال من بأسكم ونار الحيرة تعصف بنفوسهم، ولن يكون غير قلب الأم ركنا للاحتماء والاحتواء".
وقالت المحكمة، إن الحق في تكوين الأسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق في صونها، بما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم وتحمل مسؤولياتهم صحيا وتعليما وتربويا، لذا حرص المشرع الدستوري على النص بأن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها وجعل التعليم حق لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية وجعله إلزاميا حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها كما ألزم الدولة بأن تعمل على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في كافة الإجراءات التي تتخذ حياله وتنفيذا لذلك نص المشرع العادي على كفالة الدولة لحماية الطفولة والأمومة ورعاية الأطفال والعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة من كافة النواحي في إطار من الحرية والكرامة الإنسانية.
وأوضحت المحكمة، أن مدار الولاية التعليمية المعقودة للحاضن، ترتبط بمصلحة الصغير، وأن أحقية الحضانة يجب أن يراعى فيها مصلحة المحضون وما مرية فيه أن المصلحة للمحضون غالبا أن يبقى عند أمه لأنها أكثر رحمة وشفقة وكونها أكثر تفرغا من الأب لرعاية الأطفال، ولن يكون لغير الأم عطفا وحنانا ورعاية بالصغار خاصة البنات اللاتي يحتجن لتعلم أمور النساء ولا يفصحن في أمورهن الخاصة إلا لأمهاتهن ولكثرة ما يحصل من اعتداء وتعنيف من قبل زوجات الآباء تجاه أطفال المطلقات، وبالتالي فالأم أحق بالحضانة ومستلزماتها بشئون التعليم ما لم يطعن في عقلها أو أخلاقها وعفتها طعنا مثبتا.
وأشارت المحكمة، إلى أن الأم أحق بالحضانة وما يتفرع عنها من تربية الصغير وحفظه ورعايته ومن وعائها الولاية التعليمية مراعاة لما قرره الفقهاء من أن العبرة هي تحقيق مصلحة المحضون أولًا قبل مصلحة الحاضن، ومن المقرر أن وجود الصغير ذكرا كان أو أنثى، في يد الحاضنة لا يغل يد والدهما عنهما ولا يحد من ولايته الشرعية عليهما، فإن عليه مراعاة أحوالهما وتدبير أمورهما، وولايته عليهما كاملة، وإنما يد الحاضنة للحفظ والتربية ولها القيام بالضروريات التي لا تحتمل التأخير، وعلى قمتها الولاية التعليمية وما ينجم عنها من الالتحاق بالمدارس والعلاج بمراعاة إمكانات الأب، فالالتحاق بالمدارس من مستلزمات الحضانة لأن الصغير خلالها ملتصق بحاضنته ومن ثم تكون الولاية التعليمية للحاضن من ضرورات القيام بشئون الحضانة.
وذكرت المحكمة، أن الأصل أن المتنازعين على حضانة الصغار وما يتفرع عنها من ولاية الحاضن التعليمية يتعين أن يهيّئوا للصغير من أمره خيراً ورشدا، لا أن يتخذوا منه وسيلة لتحقيق مآرب لهم لا صلة لها بمصلحة الصغير يكيد بعضهم لبعض ظهيرا، متخذين من هوى النفس نفيرا، فتتحول حياة الصغير في ظلها عوجاً وأمتاً لذا فإن تحقيق مصلحة الصغير تقتضى أن تكون شئونه التعليمية بيد من التصق به في كافة دقائق حياته اليومية وهي حاضنته رعاية وتربية بحكم الرابطة الإنسانية الفياضة التي اختصها الله عز وجل وأودعها قطبا للرحى بين الصغير وحاضنته.
وقالت المحكمة، إن الثابت بالأوراق وفي ضوء ما كشفت عنه الدعوى من التناحر بين عائلتي الصغيرين من جهة الأب وجهة الأم في مجال الحصول على أحكام متلاحقة بالحضانة من محكمة الأسرة، فثمة حكم أول من محكمة الأسرة بالحضانة لأم الأطفال عند طلاقها، وحكم ثان لحضانة الطفلين للجدة للأب وثالث لحضانة الصغيرين للجدة للأم، ورابع لحاضنة الطفلين للأم بعد طلاقها من زوجها الجديد، واستمر التصارع بين العائلتين بشأن الحصول على أحكام متلاحقة بالولاية التعليمية من قاضي الأمور الوقتية، فتارة حكم أول لأم الطفلين عند طلاقها وتارة ثانية حكم لاحق من قاضي الأمور الوقتية بالولاية التعليمية للجدة للأم عند زواج أم الصغيرين وتارة حكم ثالث بالولاية التعليمية للجدة للأب التي طعنت على حكم الولاية للجدة للأم استنادا إلى مرضها، وتارة حكم رابع من قاضي الأمور الوقتية بالولاية التعليمية للأم بعد طلاقها من زوجها الجديد، وما تخلل هذه الأحكام الثمانية بين العائلتين من انتقال الطفلين من المدارس المقيدين بها بمحافظة البحيرة ثم العودة بهم إلى مدارس أخرى بمحافظة الإسكندرية ثم محاولة العودة بهم إلى مدارس محافظة البحيرة على نحو أصبح المستقبل التعليمي للصغيرين معرضا للخطر بالفعل، وهو ما استبان من رسوبهما وهما في مرحلتي الابتدائية والإعدادية.