تطوف ببالى، أحياناً، نابعة من النسيان والمحو، صورة طاغية، إسرائيل «أرئيل شارون» أسأل نفسى بدهشة المفاجأة:
- هو لسه عايش؟!
لا يصنع الأشرار التواريخ، بل تحتفظ بذكراهم صفحات التواريخ ليكونوا عبرة، ومثالاً صارخاً، ونموذجاً: نيرون، وهولاكو، وهتلر، وشارون، وغيرهم من الأبالسة!
عاشوا يستدعون قتلهم الأخرق يمزق خيوط وأنسجه البشر.
الميت الحى، مشلول الحركة، بجسد المتفسخ، ورقدته النهائية، ينزف سماً مثل ماء أصفر، يسحب من جسده حياة الظالم، رويداً رويداً، يشاهد كل ليلة مصائره، ويحدق فى يد تدفعه إلى الجحيم فيشاهده، ثم تعيده لرقدته وحيداً على سرير موته.
كم كرهت هذا الرجل، البولونى الخاسر!
الميت الحى، يشهد عليه تاريخه، ويعذبه الله بخاتمته، فرجة، وعرضاً للشاهدين، آية عن زمن وحشى كان هو جلاده، وسيفه وصانعه، يرقد على سريره، يغطس فى النسيان والعدم، ولا يبقى له سوى العتمة!
يشغله أربابه من الصهاينة بجهاز يضخ الدم فى أوردته، ليمثل عليناً بأنه يحيا، بأنه ما زال يحتل تلك المساحة من فراش فاسد!
أنا طالما وعيت الحكمة من مشهدية الحدث!
نجى الله الفرعون ليكون آية للناس وللتواريخ، وتظل ذكراه فى المتون درساً لكل من يدعى علواً بين البشر.
يرقد فى غيبوبته علامة على النهايات، والمظالم، والتنكيل بالبشر، وهزيمة أرواحهم.
يرقد فى خاتمة نصبها القدر لكل لئيم!!
سنوات طويلة من الوحشية، وفضاء يعم الأنحاء من سفك دماء البشر. وأنا، عبر ما عشته من أيام، أرقب الحال الفلسطينى المعتدى عليه، وأشاهد أبناءه محمولين أجداثاً، وألماً، وجراحاً، ولا أعرف كيف ستنتهى مأساتهم!!
أنت لن تستطيع أن تغمض عينيك عن طفلة أخرجوها من تحت التراب، غادرتها الحياة فغدت مثل عروسة من القطن!!
يعود من جحيمه كل مساء، حين يستدعيه شيطانه الذى يملى عليه كل ليلة؛ أنه أرئيل مردخاى شرايير، ربيب عصابات الهاجانا الصهيونية، التى نفذت طوال تاريخها الكثير من مذابح الإنسان.
منذ البداية حين جاء من روسيا، يلازمه العنف والتعصب وكراهية الآخر. انتحرت زوجته الأولى فى العام 1962 بسبب عنفه.
وقُتل ابنه فى الحادية عشرة. لا يشعر بحزن، وطموحه أن يرتقى رتبة عسكرية كلما أوغل فى دم أعدائه العزل.
أوامره بقتل الأسرى فى حرب السويس 1956. مجزرة قبية فى الأردن، بأوامر منه شملت النساء والأطفال والشيوخ.
كان المهندس والمفكر الفعلى لمذبحة صابرا وشاتيلا الذى راح ضحيتها 460 إنساناً منهم 119 لبنانياً منهم 8 نساء و12 ولداً، و269 فلسطينياً منهم 7 نساء وولداً، و11 سورياً، و32 باكستانياً وإيرانياً وجزائرياً.
كان بعد كل مذبحة يتفاخر، فاتحاً صدره للريح: أتعهد بأن أحرق كل طفل فلسطينى يولد فى هذه المنطقة حتى لو فقدت كل مناصبى فلسوف أحرقهم جميعاً، يصمت الطاغية ثم يرفع قبضته صارخاً: «لقد قتلت بضربة واحدة فى رفح المصرية 752 أسيراً فى العام 1956».
تتجسد فى «شارون» روح الشعب اليهودى، تلك الروح التى جُبلت على عقدة الخوف والشك والحقد والاستعلاء.
يكتب الشاعر الفلسطينى «مريد البرغوثى»: أبدأ حكايتك من ثانياً، هذا ما فعله شارون، لقد أهمل الحديث عما جرى أولاً. يكفى أن تبدأ حكايتك من ثانياً حتى تصبح الفلسطينية العجوز التى هدمت القنبلة الإسرائيلية بيتها فوقها هى المجرمة وأرئيل شارون هو ضحيتها، كل الأكاذيب التى روجها الصهاينة تجعل الإسرائيليين ضحية فى نظر الأمريكان، والأمريكان شعب فقد عقله أمام أكاذيب اليهود!!
وبالرغم من مذابح جنين ورام الله والقدس وسجن عرفات حتى لحظة سمه بغدر ودناءة، ما يزال الأمريكان أسرى لأكاذيب اليهود!!
لا أحد هناك أو هنا، ينسى أفعال المعتدين، مغتصبى الأرض، وستظل أعمال الطغاة منقوشة على أرض فلسطين مهما طال مدى الاحتلال!!
هو -الراقد على فراشة- شارون، سلطة الغدر والعدوان والذى أمضى حياته مفاخراً بطول عمره فأنشأ العصابات والأحزاب، ها نحن نرى بدنه راقداً، شاهداً عليه، تلعنه الأمهات والأبناء والآباء، يخترقه العدم، مثل وهم مر على أرض فلسطين.. ومضى!!