المضادات الحيوية "Antibiotics" أو كما نطقها "هنيدي" في مشهده الكوميدي "أنتشي بيوتشيك" سخريةً أو نقدًا لمن ينطقها هكذا.. "هنيدي" كان يشكو في المشهد من أنّه قد أصيب بالهبوط "هبّطت.. هبّطت"، لأنّها أو لأنه "كانت واخده أنتيبيوتك"!.
"هنيدي" كان يعبّر بصدق عمّا يحدث على مدار الساعة من سوء استخدام للمضادات الحيوية واستهلاك كمّيات غير طبيعية منها بدون أي سبب طبي حقيقي، سوى مجموعة من الخرافات والاعتقادات الطبيّة السخيفة، والتي ساهم في ترسيخها في المجتمع، إما صيدلي تاجر فقط لم يعد يذكر من مهنته سوى بضع أسماء علميّة ونوادر من أيام الكلية، حيث حل مكان ما تعلّمه فيها نسب الخصم و"البونص" وعدد العلب على الرف أو الصيدلية عملت كام في الشفت، أو طبيب توقّف به الزمن عند أخر معلومة قرأها قبل امتحانات السنة السادسة وأصبح مصدره شبه الوحيد للمعلومات الجديدة هو مندوب شركة الأدوية، وأصبح أيضًا شغله الشاغل هو إرضاء الزبون "المريض" ليعود مرة أخرى.
أعلم أنّ بعضهم ممن فتحوا المقال من باب الفضول يهم الآن لغلقه والبحث عن شيء آخر، لأنّه قد وجد ما قد قيل في السطور السابقة كلامًا قد يبدو مكررًا أو هجومًا على زملاء، أو انتقادًا لواقع.. لكن اصبر فلم أحدثّك بعد عن الخازوق الأعظم!.
نتاجًا للممارسات الكارثيّة للمضادات الحيوية، العالم الآن يرفع من حالة التأهب في كل الأوساط الطبيّة استعدادًا لمواجهة أكبر خاذوق صنعته البشرية، يهدد بالفعل بهزيمة الإنسان أمام أصغر عدو بالكاد نستطيع أن نراه.. بالميكروسكوب.
"البكتريا" خد عندك مثلًا، والأرقام اللي هاذكرها الآن عن أوروبا والولايات المتحده الأمريكية.. لأننا طبعًا لا نملك أرقامًا دقيقة أو لو نملك لا نعلنها خوفًا طبعًا من الأشرار:
* 2 مليون مريض سنويًا في الولايات المتحدة "آه الرقم حقيقي"، يصابون بالعدوى ببكتريا مقاومة للمضادات الحيوية، يموت منهم حوالي 23 ألف شخص، لعجز المضادات الحيوية الموجودة عن علاجهم. "والكلام من التقرير الصادر عن منظمة مكافحة ومنع الأمراض الأمريكية سنة 2013 US CDC.
* الاتحاد الأوروبي أعلن سنة 2007 إن سنويًا بيموت فيه حوالي 25 ألف شخص نتيجة للعدوى ببتكريا مقاومة للمضادات الحيوية.
* حتى تايلاند، وجدنا عندها أرقام بتوضح حجم الكارثة، ففي بحث كبير تم نشره سنة 2012 تم رصد أكتر من 38 ألف حالة وفاة سنويًا فقط بسبب عدوى ببكتريا مقاومة للمضادات الحيوية.
والبكتريا المقاومة للمضادات الحيوية هي أنواع تقليدية جدًا من البكتريا، بعضها مكان في الأصل بكتريا غير ضارة أو مفيدة أحيانًا، لكنها مع الوقت ومع استخدام المضادات الحيوية بأسلوب خاطئ استطاعت تكوين أساليب وطرق تمكّنها من الهرب من المضادات الحيوية ومقاومتها وعدم الموت بها.
الأكثر رعبًا أنك إن تعمقت قليلًا في دراسة البكتريا ستكتشف أنّها تملك القدرة على نقل الصفات الوراثية من نوع إلى آخر، أي أنّها تتبادل الخبرات، يعني ببساطة.. تستطيع البكتريا التي اكتسبت مقاومة ضد نوع معين من المضادات الحيوية نقل هذه المقاومة إلى نوع آخر من البكتريا لتزداد المشكلة تفاقًا يومًا بعد يوم.
الخاذوق يزداد حجمًا يومًا بعد يوم لعجز العلماء عن ابتكار أنواع جديدة من المضادات الحيوية، ففي الثلاثين عامًا الأخيرة لم ينجح العلماء في اكتشاف أو ابتكار أي نوع جديد مختلف من المضادات الحيوية.. أي أننا نفقد فاعلية الأسلحة التي نملكها بالفعل ولا نستطيع امتلاك أية أسلحة جديدة، مما يعني هزيمة مؤكدة في تلك الحرب مع ذلك الكائن الدقيق.. يعني ببساطة "فناء الجنس البشري"!.
يهمس أحدهم: "وأنا مالي وإيه علاقتي بكل دا.. وجايين عليّا أنا تشيلوني هم البشرية؟!".
في الحقيقة أنت وأنا وهم مشاركون في هذه الكارثة.. مساهمون في صنعها وقتل المزيد من المرضى يومًا بعد يوم بسوء استخدام المضادات الحيوية بالأشكال التالية:
* كارثة استخدام المضادات الحيوية مع أي ارتفاع في درجة الحرارة، بالرغم من أنّ هناك العديد والعديد من الأسباب لارتفاع درجة حراة الجسم غير العدوى بالبكتريا، كالعدوى بالفيروسات مثلًا.
* كارثة استخدام المضادات الحيوية مع الأمراض الفيروسية المعروفة كنزلات البرد والأنفلونزا والنكاف والحصبة وغيرها من الأمرض الفيروسية.
* كارثة عدم استكمال فترة العلاج حسب توصية الطبيب والتي تسمح للبكتريا بالبقاء وتطوير نفسها وأساليب مقاومتها.
* كارثة مجموعة الأنفلونزا واستخدام أقراص مضادات حيوية فيها بشكل عشوائي. وسيكون لنا معها وقفه مفصلة لاحقًا بإذن الله.
* كارثة استخدام المضادات الحيوية بشكل عشوائي دون الرجوع لتحاليل مزارع البكتريا واختبارات حساسية المضادات الحيوية التي تظهر في نتائجها أيهم يجب استخدامه فقط.
* وطبعًا طبعًا كارثة صرف المضادات الحيوة من الصيدليات بدون روشتة.
الخلاصة.. نحن نزرع بممارستنا اليومية أكبر خازوق يهدد بفناء البشرية، حتى من يعتقد أنّها مشكلة قد يواجهها الإنسان بعد مئات السنين "ونكون متنا خلاص" فأسمحلي أقولك أنت مخطئ.. وستموت كالآلاف الذين يموتون يوميًا في الرعايات المركزة والمستشفيات بالعدوى ولا نجد لهم مضاد حيوي يصلح ليقتل ذلك العدو الدقيق الفتاك.. البكتريا.