السؤال هو البحث المشروع لكل إنسان للوصول إلى المعرفة والحقيقة. يبدأ الطفل معرفة العالم بالسؤال عن أسماء الأشياء ومعناها وحقيقتها وأسبابها. أكثر أسئلة الطفل التى تسبب ضجر الآباء هو «لماذا؟» كلما زاد الآباء عقلاً يجيبون ولا يصدون، والآباء الجاهلون لا يعترفون لطفلهم بجهلهم الإجابة، وبعض الآباء يرى فى الأسئلة انتقاصاً من قدره وإحراجاً أو كشفاً لحقيقة يخفونها، وقد يضربون الأطفال بسبب سؤال.
قد يكون السؤال فى ذاته إجابة، وقد يكون السؤال كاشفاً للقيمة والحكمة أو للتناقض والادعاء والكذب والخيبة. نحن لم نزل نلح فى السؤال لماذا تم التنازل هكذا وبتلك الطريقة عن جزيرتين مصريتين استراتيجيتين بمياههما الإقليمية؟ ورغم الصدمة المفاجئة والذهول الذى يعترى المصريين لم نتلق إجابة شافية ومقنعة وحقيقية تريح القلب الذى ملأه الحزن والكرب وتنهى حيرة العقل الذاهل الذى يضرب أخماساً فى أسداس من غرابة الفعلة وخطورتها الأبدية.
من قرر أنهما ليستا مصريتين؟!
السؤال الآن: هل لو طرحت هذه القضية على المصريين قبل إبرام اتفاق بشأنها؟ هل كان أحد يقر بغير مصريتهما؟ هل كان هؤلاء الذين ينكرون الآن مصرية الجزيرتين سينكرونها ساعتها ونحن بصدد أخذ ورد وبحث وتنقيب وتوقيع لم يكن تم؟ الاتفاق عطل السؤال المشروع والإجابة الحقيقية. هل كانوا ساعتها سيقرون التنازل أم أنهم الآن يقرونه لأنه قد تم ودافع عنه الرئيس الذى أكد فى حديثه مع قوى المجتمع بالنص أنه هو الذى فتح المسألة ولم يكن أحد تكلم عن هذه الجزر ولا سأل عنها ولا طلبها! لمَ فعل ذلك؟
الأصل أن التنازل فى ذاته مرفوض تماماً؛ لأنه لا يوجد له سند من الدستور ولا من القوانين ولا من الأعراف فضلاً عن أنه تم بعيداً عن الشعب، مما يشير إلى أن شيئاً لم يسر مباشراً مستقيماً.
نؤكد أن الشعب نفسه ليس له سلطة التنازل عن أى جزء من أرض البلاد ولا حتى بالاستفتاء. بالرجوع للمادة (1) من الدستور (جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة وهى موحدة لا تقبل التجزئة ولا ينزل عن شىء منها) وحين تولى الرئيس منصبه فإن حدود هذه الجمهورية كانت معروفة ولم يكن ينازعها فى شىء منها، طبقاً لتصريحه، هؤلاء الذين تم التنازل لهم إذ لم يطلبوها أو حتى يسألوا عن هذه الجزر النادرة فى موقعها وجمالها.
وتكمل المادة الرابعة (السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات ويصون وحدته الوطنية).
ولذلك يصبح السؤال: هل من حق الرئيس التصرف والتنازل عن شىء من أراضى الجمهورية؟
الدستور واضح أن الشعب هو مصدر السلطات جميعها بما فيها سلطة الرئيس، وله السيادة وحده -وحده- على أرضه وبالتالى لا يجوز لأية سلطة أن تتصرف دون علم سيادة الشعب، لا أن تضعه أمام واقع يعقد حياته وعلاقاته بجيرانه، ويضع مواطنيه فى موقع الدنا والمهانة، ثم تتسبب له بمثل هذا الاتفاق فى خسائر استراتيجية أبدية تتعلق بأمن أجياله المقبلة وتحرمهم من حقوق تمتع بها آباؤهم وأجدادهم.
وقد خرج بعض الشعب للتعبير عن رفضهم وممارسة سيادتهم وحمايتها مما يمس وحدة أراضيهم وعدم تجزئتها والاقتطاع منها أو التنازل عنها تطبيقاً للنص الدستورى وتنفيذاً لمسئوليتهم أمام أنفسهم والأجيال المقبلة، ولكن تم القبض على بعضهم وهذا خرق لا يجوز، إذ إنهم يمارسون حقاً ونصوصاً دستورية واضحة لا لبس فيها، بل إن الدستور طالبهم بممارسة هذا الحق وحماية السيادة والوحدة الوطنية التى تبدأ بعدم تجزئة الأرض أو النزول عن شىء منها.
ثم عاد الدستور فى المادة 151 ليؤكد بنص صريح على أنه فى جميع أحوال الصلح والمعاهدات والاتفاقيات وبرغم موافقة النواب وبرغم الاستفتاء وبرغم توقيع الرئيس بعدهما (وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة) وعليه فالقضية ليس مطلوباً فيها إلا العودة للدستور وحسب.