شهدت الأزمة السورية فى الفترة الأخيرة تطورات جديدة تدعو إلى القلق، ليس بشأن انتصار أو انكسار الثورة الشعبية، وإنما بشأن مستقبل الدولة السورية بل واللبنانية أيضاً. فالواضح أن تغيرات جوهرية طرأت على طريقة إدارة الأزمة من جانب مختلف الأطراف: النظام السورى، معارضة الداخل، معارضة الخارج، دول المنطقة، القوى الخارجية. وبدأت ملامح جديدة للأزمة تتبلور فى الفترة الأخيرة، من أهمها أن حسم الموقف بالقوة أو التدخل العسكرى الخارجى المباشر لم يعد خياراً عملياً على الأقل لما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية. ومن ثم أصبحت كل الأطراف تقريباً تراهن فى إدارتها للأزمة على التفاعلات الداخلية، فيسعى كل طرف إلى توجيهها لصالحه. النظام يراهن على التفوق النوعى والكمى لقواته تسليحاً وتدريباً. والمعارضة بامتداداتها الخارجية تراهن على تقويض النظام اقتصادياً واستنزافه عسكرياً ومحاصرته سياسياً. وأصبح منطق عض الأصابع هو الحاكم لمجمل المناوشات المتبادلة بين مؤيدى النظام وخصومه سواء داخل سوريا أو خارجها.
الملمح الثانى يتعلق بأدوات الصراع الداخلى الدائر بين النظام والمعارضة، فقد استحدثت أشكال جديدة من القتال غير المباشر، أبرزها التفجيرات بواسطة عبوات وسيارات مفخخة، واختطاف أو تصفية رموز سياسية وكوادر عسكرية. وسواء كان المتورط فى تلك العمليات المستحدثة عناصر تابعة لتنظيم القاعدة (كما يدعى النظام السورى) أو يقف النظام نفسه وراءها (كما تزعم المعارضة) فإن تعدد تلك العمليات وتقاربها زمنياً يشى بأن الأزمة تدخل مرحلة جديدة أكثر عنفاً ودموية. وهو ما يرتبط أيضاً بملمح ثالث لا يقل أهمية ودلالة، وهو انتقال الوجه المسلح للأزمة إلى لبنان، بعد أن كان محصوراً داخل أراضى سوريا. وهى نقلة غاية فى الخطورة ما لم يتم تطويقها والتعامل معها بحنكة وعقلانية شديدة من مختلف الأطراف. ذلك أن اضطرار اللبنانيين إلى الدخول على خط الأزمة السورية فى شقها المسلح، إنما يعنى جرجرة لبنان بتعقيداته وتوازناته الهشة إلى حرب أهلية بالوكالة عن أطراف خارجية.
عندما تكون الصورة على هذا النحو، تأجيج المواجهات المسلحة داخل سوريا بتمويل ودعم خارجى لطرفيها، وبث الرعب والفوضى عبر تفجيرات ربما تكون مقدمة لعمليات نوعية أخرى، وتصدير الصراع المسلح إلى لبنان وبين اللبنانيين أنفسهم. فإن خطورة المشهد تتجاوز سقوط نظام بشار أو استمراره فى قمع السوريين، فالخطر هنا يتعلق بمستقبل سوريا ولبنان معاً. وسواء كان ما يجرى تجسيداً لتهديد بشار بإشعال المنطقة كلها، أو نتيجة لعجز خصومه عن تقويض نظامه بسرعة وسلاسة، فإن المحصلة هى وضع شديد الخطورة قابل للتفاقم وربما الانفجار. وعندها لن يملك أى طرف رفاهية الانتظار أو حتى الاكتفاء بدور غير مباشر، سواء مع النظام أو ضده.