حوادث العنف ليست جديدة، المشكلات ليست جديدة، المصائب الطائفية ليست جديدة، وبما أن كل ما سبق لم يعد جديداً، وجب أن يكون التصرُّف إزاءه جديداً وفاعلاً وقاضياً على أى تعقيد مشابه فى مجتمع لم يعد ليتحمل المزيد.
لقد طفح كيلنا جميعاً، رئاسة وحكومة، وشعباً ووطناً، تحمّلنا الكثير وعانينا ونعانى يومياً، كوارث من الداخل والخارج، سئمنا من المجتمع الذى بات غير المجتمع، بأمراضه وتوتراته وجهله وتطرُّفه وتخاذله وضعفه وعنفه وحمقه وعدوانيته، ومؤخراً عدم نخوته، وعدم استخدامه لعقله أو إنسانيته.
شغلنا بحكومات، لا تفاهم بينها وبين المواطن، ولا نقاط تواصل أو اتصال، الخطوط شبه مقطوعة، تصريحات الوزراء والمحافظين غير مرحّب بها، وتحركاتهم وخطواتهم لا تثير قبولاً أو إعجاباً، المسئول يتذمّر من المواطن غير الراضى، والمواطن ضجر من المسئول.
وللخروج من كل هذا، وجب تحرّك سريع، فاعل مؤثر، وفى جميع الاتجاهات، تحرّك سيادى، رئاسى، يتابع البنية التحتية للعنصر البشرى المصرى، بقوة مجابهة التحدى الخارجى نفسها، فالبناء المجتمعى فى حالتنا بأهمية الجاهزية الحربية، والقتالية، فإعداد المواطن الصالح مهمة غاية الأهمية والصعوبة، لكثرة التحديات والعراقيل.
لكن كيف يتسنّى للرئيس وللقيادة الكبرى للبلاد وسط جميع مسئولياته، التفرُّغ لتوجيه وتربية الشعب!! أو يفعل الرئيس كل شىء حتى إعداد المواطن!! إذاً ما فائدة المحافظين والوزراء وغيرهم من كبار رجال الدولة!!
الإجابة، أنه لا تعارُض بين الدورين، إذ إن الجبهة الداخلية فى غاية الخطورة والأهمية!! (نعم هو دور رئاسى)، مع أنه يجب ألا يكون!!! لكنّ وضعنا استثنائى، ومشكلاتنا خاصة معقدة، متلاحقة، تصب جميعها بالنهاية، فى بوتقة الأمن العام واستقرار الوطن، بهذا تكون القضية المجتمعية، قضية أمن وطنى، أمن دولة، أمن نظام، (قضية رئاسية).
الرئيس أب، ومعلم وقائد، وكبير الدولة، الرئيس هو الإنسان الذى تتعلق به الأعين عند الوقوع فى أزمة، هو من يُلجأ إليه بعد الله عندما تُعيى المواطن السبل، فيا ليته يُشرف بنفسه على ملفات من شأنها إعداد مواطن صالح، نافع، كملفات: العدل والتعليم والإعلام.
فأنت كمواطن عندما ترى العدل محققاً، نافذاً، ناجزاً، دون غلو بيّن، ودون جور أو تراخٍ، ودون ظلم أو تقاعس، تشعر بالطمأنينة والأمان، مما يجعلك مواطناً راضياً، واثقاً، ويا لها من قيمة كبرى ونعمة عظمى لأى مواطن فى أى مكان.
هناك قاعدة «أنه لا سلطة فوق سلطة القانون»، لكن هناك قانوناً فى الكون آخر غير قانون الدساتير والمؤلفات القانونية (قانون الخير والمحبة)، المعنى الحرفى لتعبير (روح القانون) وهدفه السامى لإصلاح البشرية ونمائها وخير المواطن وإرضائه، فإن أخطأ المواطن عُوقب بقدر الخطأ، وإن تبيّن أنه ظلم، فالعفو عنه حق له مشروع، وتحقيق العدالة فضيلة كبرى يكون أثرها واضحاً فى القلوب والعقول وتُنقذ الكثيرين من أحبال الجرائم والمخالفات، تُعضّد ثقة المواطن بالوطن وتوثّق أواصر الانتماء.
إن متابعة تطبيق العدل والإنصاف، تمنع الضلال والانحراف، كما أن الردع والقوة فى بعض المواضع والظروف تكون من الأمور المحمودة والمفيدة والمؤثرة، فمهم جداً أن تعطى الخيرين ثقة، والأشرار إنذاراً ووعيداً، وقديماً قالوا «من أمن العقوبة أساء الأدب»!!، وقد حان وقت الأدب لمن أساءه.
أما التعليم والإعلام، فيندرج تحتهما أهم النقاط (العلم، العمل، الدين المعتدل، الأخلاق، المواطنة، الصحة، الصحة الإنجابية، المحبة، القوة)، كل هذه المعانى تُغطى بتعليم جيد ومناهج مختلفة، وبإعلام أمين، متطور، دسم، لهذا كان التعليم والإعلام بقوة السلاح فى المعارك، ونحن فى معركة وجود.
الوطن فى الأساس مواطن، إن صلح الفرد، صلحت المنظومة ككل. إن حوادث المجتمع المصرى من بلطجة وعنف وتطرف وتحرش مرتبطة ببعضها البعض، كل سبب يؤدى إلى الآخر، فى ترابط بغيض، ويأتى على رأس هذه القائمة السوداء، انتشار المخدر، بجميع صوره، والذى يحول الفيل إلى نملة والأسد إلى فأر، وينزع النخوة ويُلبد المشاعر، ويُغلظ القلب ويوقح العين، ولا يقضى على هذه اللعنة المهلكة، سواء «تطبيق القانون والتعليم الجيد والإعلام المهنى البناء».
لو عاد المواطن المصرى كما كان، لعاد الوطن حميماً دافئاً، طيباً، بشوارعه الآمنة ولياليه الساهرة وطرقاته العامرة، بشهامة أولاد البلد ومروءة الفلاحين، برُقى الشباب وأدبهم وهيبة الكبار ووقارهم، فقط لو عاد الابن الضال عن ضلاله، وانثنى عن غيّه، بأمر رئاسى!!!