قوى التغيير وقوى التثبيت (المحافظة) وقوى التيار الدين - سياسى، هى الثلاث الفاعلة المتحركة المحركة على الأرض، ويصعب إنكار حضورها وأثرها، هم محصلة الفكر والعمل السياسى وهم صانعو الاستقرار أو القلق بآرائهم ومواقفهم وعلاقاتهم معاً، وبالتالى فإن الجماهير التى تنتمى لهم وتتبنى رؤاهم وتدافع عن وجودهم تتحرك فى أعمالها وإنتاجها وإخلاصها طبقاً لحالة من الرضا أو الإحباط أو الحيلة، تتقدم فى الأرض للأمام أو تتثاقل وتعطل المراكب.
أثبتت وقائع السنوات الخمس السابقة أن تحالف قوتين أسقط الثالثة، فقد تحالفت قوى التغيير مع قوى الدين - سياسى فكانت يناير وسقوط مبارك وقوى التثبيت (المحافظة)، ثم تحالفت قوى الدين - سياسى مع قوى التثبيت ممثلة فى المجلس العسكرى وأتباعه فمنيت الثورة وقواها بطعنة غائرة، ثم تحالفت قوى التغيير مع قوى التثبيت (مؤسسات وفلول وطبقة المنتفعين) ضد قوى التيار الدين - سياسى فسقط مرسى، وهذه اللعبة اثنين واحد اثنين تلخص الصراع السياسى، ومؤداه أن تحالف قوتين من القوى الثلاث يسقط الثالثة، ولكن هذا التحالف رغم عرض مساحته لا يحقق الاستقرار السياسى المنشود، فى ظل تململ وقلقلة وصوت القوة الثالثة الشعبية، ومن ثم يؤثر ذلك على العمل والنتائج الاقتصادية والاجتماعية التى تمس حياة المواطنين.
ومنذ عشرات السنين لم يشعر الشعب بالاستقرار والسلام والتضامن رغم أن النظام الحاكم كان مستقراً ولكن النتائج فى التعليم والزراعة والصناعة وغيرها تشى تماماً بالنتيجة والخيبة والترتيب العالمى المتدنى فى كافة المجالات وتراجع مكانة البلاد ودورها يشى بمعنى استقرار القبور هذا وسلامه.
نتحدث عن قوى شعبية حقيقية فى أرض الواقع ذات هدف رئيسى: أن يستمر الوضع القائم كما هو مع إصلاحات لا تمس الجوهر ولا الترتيب (قوى تثبيت الواقع) أو أن يعود مجد وحكم الخلافة وقيمها (قوى الدين السياسى كلها) أو أن نكون دولة حديثة بالمفهوم العالمى (قوى التغيير) وتضم القوى الثلاث داخلها متطرفين ومعتدلين، يمينيين ويساريين ووسطيين، ولكنهم جميعاً ينضوون فكرياً وحركياً فى الممارسة تحت الهدف الرئيسى. يبدو الحال كما لو كان صراعاً على الزمن! (الماضى) ويمثله تيارات الدين - سياسى (الآن) وتمثله قوى التثبيت (المستقبل) وتمثله قوى التغيير! السؤال: هل يمكن الخلاص من إحدى القوى الثلاث ولو باتفاق قوتين؟ وأى قوتين أقرب لبعضهما لتتخلصا من الأخرى؟ وهل الخلاص من واحدة يدفع البلاد للأمام؟
يمكن الادعاء أن منهم من يريد الإبقاء على أخرى والمد فى حياتها، لأن فى وجودها استمرار لبقائه هو ولفكرته فى الاحتكار والتمييز وإضعاف مستمر لقوة التغيير وتأكيد لفكرته الطبقية فى المساواة والعدل والحرية، ورغم اختلاف المنبع الفكرى لكليهما وكما سبق إيضاحه فى مقال سابق.
لنذكر أن عودة الإخوان للعمل السياسى وإنشاء الجماعات الدينية بالجامعات فى السبعينات كان بأمر السادات نفسه وبدعمه المالى، ثم كانت عودة الإخوان للعمل السياسى فى عهد مبارك بعد توقفهم فترة بعد مقتل السادات بناء على طلب مبارك للإخوانى حسن الجمل: انتوا ليه ما بتشتغلوش.اشتغلوا، إيذاناً بدخولهم الانتخابات والتفاهم حول مقاعد البرلمان التى يحصلون عليها.
وإذن فإن قوتى الماضى والحاضر تحالفتا من قبل ومن بعد على المستقبل، وكلاهما يمد فى عمر الآخر ويبقيه لكى يخيف به القوة الثالثة وشعبها، وتحالفهما للسلطة لا يمنع من صراع بينهما، لأن هدفهما الجوانى أساسه التمييز والاحتكار.
وفى خطبة لعبدالناصر بمقر الإخوان بالمنصورة فى فترة العسل التى تحالفا فيها على إنهاء غيرهم والقضاء على الديمقراطية، حياهم وذكّر بفضل تعليمهم وأخلاقهم ودورهم، وكان سيد قطب الإخوانى قد دعا إلى تطبيق حد الحرابة على العمال وأعداء الثورة 1952، ما انتهى بإعدام خميس والبقرى (عمرهما تحت العشرين) ثم على قطب بعدهما بنفس منطقه فى الاستبداد والتمييز والأعداء.