الأسبوع الماضى حلت الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق النووى بين إيران ومجموعة «5+1»، وهو الاتفاق الذى يرى البعض أنه «عمل يقرب العالم من السلام»، فيما يعتقد آخرون أنه ليس أكثر من وسيلة تؤجل الصدام، ولكن لا تقضى على ذرائعه.
يؤكد خبراء وباحثون أن الاتفاق يعنى فى التحليل الأخير قبول واشنطن وحلفائها بإرجاء تطوير السلاح النووى الإيرانى، دون وضع الشروط اللازمة لإنهاء فرص وجوده، ويشير هؤلاء الباحثون إلى أن واشنطن ستعمد لاحقاً، فى حال تطوير هذا السلاح، إلى بناء سياسة «ردع واحتواء» للجمهورية الإسلامية شبيهة بتلك التى تتبناها مع كل من كوريا الشمالية وروسيا الاتحادية.
يعتقد البعض أن ثمة حفاوة واضحة بالاتفاقية النووية، وأن معارضتها محدودة فى العالم الغربى، وأن إسرائيل وحدها هى التى تندد بها وتحذر من مخاطرها، لكن هذا الاعتقاد خاطئ.
ثمة الكثير من المسئولين والفعاليات السياسية التى تحذر من مخاطر تلك الاتفاقية، استناداً إلى أنها منحت إيران الحق فى الاستمرار فى برنامجها النووى السلمى المفترض، عبر رفع القيود الرئيسية المفروضة عليه، ما يسمح لها بامتلاك عدد غير محدود من أجهزة الطرد المركزى، للقيام بتخصيب غير مقيد لليورانيوم، بشكل مشروع، سيمنح الاتفاق إيران فرصة لتأهيل نفسها سياسياً ودبلوماسياً، وسيتم الإفراج عن ودائعها المجمدة، التى تتراوح ما بين 100 إلى 120 مليار دولار، كما سيتم رفع العقوبات المفروضة على وارداتها فى قطاعات حساسة، ولن يتم فى المقابل إنهاء فرص تطويرها سلاحاً نووياً، لهذه الأسباب هدد مرشد الجمهورية الإسلامية، فى يونيو الماضى، بإحراق الاتفاق إذا تم التراجع عنه من جانب واشنطن، لكنه أكد فى الوقت ذاته التزام بلاده بتنفيذه، وفى الوقت الذى كان خامنئى يؤكد فيه هذا المعنى، كان وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف يبحث مع نظيره الأمريكى جون كيرى، فى أوسلو، سبل تفعيل الاتفاق ومراحله التنفيذية، فيما واكبت وسائل الإعلام الإيرانية المحسوبة على النظام تلك المحادثات بتعليقات إيجابية مستبشرة.
سيؤدى اعتماد سياسة «الاحتواء والردع»، التى يبدو أن واشنطن قررتها إزاء الملف النووى الإيرانى، إلى وضع تقوم فيه واشنطن بقبول السلاح النووى الإيرانى مع تطوير سياسات وإرساء ضمانات تضمن عدم استخدامه.
وقد استند قرار واشنطن، إزاء توقيع اتفاق يوليو 2015، إلى أن التكاليف التى تدفعها لقاء التعاطى مع الترسانات النووية لروسيا وكوريا الشمالية أقل من تلك التى يمكن أن تدفعها فى حال شنت حرباً ضد طهران، أو صعّدت الموقف الدولى إزاءها، نحو حل يفكك المشروع النووى، أو يفقده القدرة على التطور عسكرياً.
لكن دول الخليج العربية، ودول أخرى فى الإقليم، ستدفع أثماناً بسبب هذا الاتفاق، الذى لن يتوقف عن إنتاج المخاطر.
من بين تلك الأثمان أن المنطقة ستُجر إلى سباق تسلح نووى، فى حال وصلت طهران لغايتها المفترضة، وهو أمر سينشئ أوضاعاً متوترة وقابلة للانفجار بأكثر من أى وقت مضى.
وسيتم إنهاء فرص تفعيل معاهدة حظر انتشار السلاح النووى، كما ستُحرم الدول العربية من الذرائع المناسبة لمواصلة الضغط على إسرائيل والمجتمع الدولى، من أجل توقيع إسرائيل على المعاهدة.
ستكون إيران أكثر قدرة، بعد زوال ضغوط العزلة والعقوبات، على لعب أدوار توسعية أكثر من تلك التى مارستها على مدى العقود الثلاثة الماضية، وستتعزز سلوكياتها العدائية، وستتوفر لها الموارد اللازمة لدعم الميليشيات المتحالفة معها فى أكثر من بلد عربى، بشكل سيلقى بمزيد من الأعباء على الاستقرار والأمن فى المنطقة.
الحرب لم تكن الخيار الأفضل لمواجهة خطر البرنامج النووى الإيرانى.. وكذلك سياسة «الاحتواء والردع» المفترضة، فقد كان يجب على دول العالم المعنية مواصلة الضغوط لإثناء إيران عن المضى قدماً فى هذا الطريق.