لم أكن يومًا من مريدى "محمد رمضان" أو متابعى أفلامه وأعماله الدرامية، اللهم إلا تجربته التي أراها الأهم مع المؤلف وحيد حامد والمخرج يسرى نصر الله في فيلم "أحكى ياشهرزاد"، لكني كالجميع لا يكاد يمر يوم إلا وأنا أسمع وأشاهد الانتقادات والهجوم الذي يتعرض له سواء على محتوى ما يقدمه على شاشة السينما والتليفزيون، واتهامه بنشر البلطجة والعنف بين الشباب، أو ما أثاره منشور له على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" فى الأيام القليلة الماضية.
كلنا بالطبع نعلم المصطلح المعروف الدارج منذ فترة ليست بقصيرة في حديثنا اليومي، "خليك في كوزك لحد ما نعوزك"، وهو ما ترجمته "خليك في حالك وما تحشرش نفسك في اللي مالكش فيه"، وهو ما فرضه علينا وجود بعض المتطفلين في حياتنا اليومية، إلا أن الأمر شهد مداه وانتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل نظرًا لطبيعتها التي تسهل على أي حد معدي في الشارع الخروج من "كوزه" ليتدخل بكل سهولة في اللي مالهوش فيه، هل سألنا أنفسنا ذات يوم لماذا تم "اختراع" إذا جاز التعبير جملة استعارية مركزة بطلها "الكوز" تصف الفعل المستوحش والمستشري بيننا الآن وهو فعل "الحشرية"، وهو ما أطلقت عليه ثقافة "النط من الكوز".
اللغط الدائر على ما قام به محمد رمضان وهو باختصار استعراضه لسيارتين جديدتين فارهتين على صفحته الشخصية عبر "فيس بوك"، قائلًا "بحب أشارك جمهوري كل اللحظات الحلوة في حياتي"، وهو البوست الذي بمجرد نزوله فُتحت عليه طاقة من طاقات جهنم تلقَّى منها قذائف نارية من كل صوب وحدب سواء من زملائه في المجال الفني الذين سخروا منه على صفحاتهم الشخصية أو حتى من جمهوره العادي الذي لنا عودة معه، لم يكن وحده ما دفعني لإعادة النظر وعمل "فوكاس" على الجملة التي أصبحنا نرددها يوميًّا خليك في حالك على الطريقة المجازية، طريقة الكوز، ولكن زاد من لمعان الجملة وتأكيدها موقفان آخران أيضًا أوضحا كم الحشرية وسوء الظن والتدخل السافر في شؤون الآخرين وسلوكياتنا اللي ما بقى يعلم بيها إلا ربنا، وهى سمات ساعد في انتشارها وتفشيها مواقع التواصل الاجتماعي التي ألغت الحدود المفترضة والمشروعة بين البشر.
الموقفان الآخران، أولهما كان عقد قران كل من المطرب محمد محسن والفنانة هبة مجدي، وهو ما حدث بشكل مفاجئ بعدما أثيرت شائعات على مواقع التواصل بفسخ خطبة العروسين بعد وفاة والد هبة ودخولها في حالة يرثى لها، ما أثر بدوره على العلاقة بين الفنانين إلى أن تم حسم الأمر على يد الفنان يحيى الفخراني بتدخله للتوفيق بينهما، وإعادة المياه إلى مجاريها، وهو ما دفع البعض لإطلاق سهام الكلمات على ما قام به الفنانان دون تبين من الأمر وجهلًا بالظروف التي يمكن أن يمر بها كل إنسان، فجاءت تعليقات البعض "دارى على شمعتك تقيد" والبعض الآخر على سبيل الدعابة "خطة في منتهى الذكاء يا حاج خيري"، وكأنهم مثلًا عاملين مؤامرة، وما إلى ذلك من أساليب فتى الفتايين، ومن باب "الفاضي يعمل قاضى" في تجلٍّ واضح لثقافة النط من الكوز.
الموقف الثالث كان ظهور الفنان أحمد راتب متخففًا من ملابسه مكتفيًا بـ"فانلة وشورت وشبشب" على أحد مقاهي الإسكندرية لاحتساء كوب من الشاي وهو أيضًا ما تسبب في تعرضه لسيل من الهجوم التتاري لانتقادات مواقع التواصل وتعليقاتهم الظريفة، مذكرين بدوره في فيلم "يا رب ولد"، الذي كان يقوم فيه بدور الفنان التشكيلي "عيسوي"، واصفًا نفسه "أنا فنان بوهيمي يفعل ما يحلو له"، دون تبين للموقف ومع أن كل إنسان "حر" فأصابوا صاحبه بجهالة، وهو ما تبين فيما بعد تصريحه بأنه كان يأخذ استراحة من تصوير أحد مشاهد فيلمه الجديد "مراتي في الكلبش" والذى يقوم فيه بدور دكتور جامعي مضطرب نفسيًّا، وهو ما كان يبدو من هيأته التي ظهر بها في المقهى.
الثلاثة مواقف كانت "قفيلة" وكفيلة بإصابتي بحالة من الأسف نوعًا ما على المشهد بجميع أطرافه ومستوى النقاش الذي وصل إليه البعض، فيما يمكن أن نسميه "الردح الإلكتروني على مواقع التواصل"، وهو الذي أصبح غير مقتصر على رواد مواقع التواصل من الشباب أو غيرهم فقط، لكن أيضًا بين الشخصيات العامة والفنانين والرياضيين والسياسيين، وهو ما يؤكد أن الوباء لا تمنعه ثقافة ولا تقلله نجومية.
وأصابتني الدهشة وبعض اللبس وأنا أتأمل وأشاهد "البوليكا" الأخيرة لمحمد رمضان، بعدما أبدى بعض جمهور ومتابعي الفنان غضبهم منه بعد استعراضه لسيارتيه الجديدتين معتبرين ذلك جرحًا في مشاعر أبناء الطبقة الفقيرة، فجاءت تعليقاتهم كالآتي، "كلها بفلوس مسلسلاتك وأفلامك اللي دمرت جيل بحاله"، و"الناس بتاكل من الزبالة" وغيرها من الجمل الانتقادية الحادة.
في مناقشة جانبية مع بعض الأصدقاء، سألتهم سؤالًا ماذا لو كان هذا الفعل صدر عن فنان آخر غير محمد رمضان فكم من فنان يطالعنا بين الحين والآخر بوجوده في أفخم وأغلى الأماكن وتناوله أشهى وأغلى أنواع اطعام وامتلاكه أحدث أنواع السيارات وأبهى المنازل بأغنى الدول وصولاته وجولاته حول العالم، كل يتفاخر بما لديه وكل له الحرية والحق في أن يفعل ما يحلو له مادام لا تتعدى حريته الآخرين، فرأى بعضهم أن الأمر كان سيصبح متقبلًا نوعًا ما، وعندما استفسرت عن سبب التفرقة، قالوا: " لأنه مش أصله"، بالبلدي كده دي مش أشكال تجيب عربيات بالثمن ده، أو أنها شبعة من بعد جوعة".. يا سلام!.
الرجل حر على النطاق الشخصي اتفقنا أو اختلفنا معه ومع أفكاره وبعض أعماله الفنية، وإذا كان ينبغي أن يلام أحد، فهم المنتقدون المتابعون المشاهدون، الذين أصبح "الأسطورة" حدثًا فنيًّا على أيديهم، الذين تمتلئ مقاعد السينما بهم وهم يتابعون أعماله التي لا نرضى عن بعض محتواها، الطبقة الفقيرة والمدافعون عنهم والناطقون بلسانهم، فلما يأتون في النهاية ويمتعضون ويعترضون على النتيجة الطبيعية للحاجة الساقعة، ما كله بفلوسكم!.