■ قطعة من قلب الوطن رحلت بعيداً فى كل أقطاب الدنيا فحققوا الكثير من النجاحات وقد حملوا معهم وطناً يعيش فيهم بكل ما فيه من إخفاقات ومرارات قد تكون دعتهم للرحيل.. تطفو أحياناً ذكريات مؤلمة.. أو أحداث قاسية.. فيتحولون إلى خنجر فى قلب الوطن.. إنهم بعض أقباط المهجر وتغريد خارج السرب يناشدهم قداسة البابا تواضروس كما فعل قداسة البابا شنودة ألا يهينوا الوطن من أجل حسابات قبيحة ليس للوطن نصيب فيها.. وأنا أشاهد إحدى مظاهراتهم فى أمريكا شعرت أن وطنى يتعرى أمام العالم.. وعلى يد أبنائه القاسية قلوبهم.. فكان الجرح أمضى وأدمى.. أردت أن أحضنهم.. خفت.. رحلت وأنا أبكى.
■ على اختلاف طبقاتهم شدوا الرحال ربطوا الأحزمة.. تحملوا دائماً من أجل لقمة العيش ليحقق الكثير منهم نجاحات كبيرة.. جمعوا الدينار أو الدولار أو الدرهم.. لتتحول مدخولات النقد الأجنبى من أحد مصادر الدخل القومى فى تلك المرحلة الحرجة التى نكتب فيها تاريخنا من جديد إلى أداة لتحطيم الاقتصاد الوطنى.. فتصبح العملة الصعبة أكثر صعوبة.. ويستسلم المسافر المتعب من عناء العمل وجمع حبات العرق لإغراء الأبالسة فيتوقف عن تحويل أمواله التى يحتاجها الوطن ويبيعها مضاعفة لخونته ويتسلم قيمتها بالجنيه فى أرض المحروسة بحيل الشياطين وفساد الفاسدين.
■ مجموعة من العلماء أو هكذا يصدرون لنا من علياء أبراجهم العاجية.. يباهون الأم الفقيرة بلحمهم وشحمهم بعد أن سمنوا وشبعوا.. وينظّروا على كل شىء.. ولكن لا يقدمون أى شىء.
وأخيراً أعلنوا أنهم مستعدون لإنقاذ الوطن مما هو فيه وكونوا فريقاً رئاسياً للترشح فى 2018.. فأين الأمارة؟ من أنتم؟ وماذا قدمتم للوطن؟ أين سابقة أعمالكم التى تباهون بها طوال الوقت على أرض الواقع؟ لماذا تنتظرون المناصب وإذا كانت لديكم (روشتة) شفاء الوطن لم تبخلون عليه بها وتتركونه قيد التنفس الصناعى؟ أم هو وجه آخر سيرتكب نفس خطأ الإخوان بعد أن (شبطوا) فى اللعبة ثم احتاروا (هى البتاعة دى بتشتغل إزاى؟)
■ جلست البهية فى حزن تتلقى عزاء الحبيب.. بعدما أرهقها البعاد كثيراً.. وظلت أحلام العودة هى الأمل الذى يروى حنين أم احترفت الحرمان.. لكن قطار الزمان لا يتوقف للملوحين الواقفين خارج محطات الركوب وقد تأخروا كثيراً عن مواعيد الشوق ومواسم الرجوع.. فتكون المحطة الأخيرة صندوقاً مغلقاً بعناية.. ينهى كل أحلام جنى الثمار وقد سقطت قطوف دنت وأشبعت العالم كله دون أن تشبع جائعاً فى الوطن.. ليكون المرفأ الأخير سرادقاً كبيراً وصوتاً رخيماً ينادى فى خشوع يا أيتها النفس المطمئنة.. عادت بشريط ذكرياتها إلى أيام فرحتها بحصوله على تلك الجائزة الشهيرة.. كفارة المخترع نوبل ووسيلته للاعتذار عما ارتكبه فى حق البشرية.. ظلت تصفق له فى زهو رغم خجلها من رقة حالها ورث ثيابها.. فهى رغم ضيق الحال.. وقلة المال مَن علمته الأبجدية ومنحته ما أقام أوده وجعله يستطيع أن يطرق أبواب الاجتهاد والأمل.. لتظل فى خياله وأحلامه المؤجلة.. وهكذا صال وجال وأثبت ذاته وأبهر العالم ومنح وطنه البديل كل عبقريته وقدراته التى قفزت بالحضارة البشرية قفزات كبيرة.. ثم عاد للأم المنتظرة على شوق لكن جثة هامدة لم يورثها سوى الحزن والألم ومجد أفاد الآخرين ولم ينلها منه سوى الضجيج الجميل ولكنه بلا طحين.. فمن البداية كانت حقائب الرحيل مليئة بالإحباط والضيق.. لتعود بالحزن والألم أكفان القدوم.. فقد أصبح حضن الأم مقبرة.
■ يفتح باب الطائرة ويهبط كهل يحمل حقيبة مليئة بأوراق بنكية وهدايا أهدرت الكثير من وقته وماله.. وخصلات من شعر أبيض فقد لونه مع لون الحياة وقد قدم الخريف مبكراً.. وتعب حل بالجسد والروح.. وأدوية للضغط والقلب المرهق.. وشوق لم يغادر الوجدان وقد نالت منه الدنيا ما نالت.. وكبر العيال.. وضاعت أحلى السنين فلم ير أول خطوة.. أول كلمة.. أول يوم فى المدرسة ودموع الفراق القصير من العيون البريئة.. عاد وقد كسب كثيراً وخسر كثيراً.. وتظل الحسابات الصعبة للتأمل ما بقى من العمر.. ويظل الاغتراب بأشجانه الكثيرة وحنين لا يموت لا يفوقه سوى اغتراب فى الوطن.. هو الأقسى.. ولو أن كليهما وجع فى قلب الوطن.