الطبع يغلب التطبُّع.. والطبع فى السياسة غالب وغلاب.. وهو عند جماعات «التنطّع السياسى» مرض مزمن ميئوس منه، لذلك ليس غريباً أن يتساءل هؤلاء «وماذا فعل السيسى؟»، وسط كل ما يجرى فى بلادنا من مشروعات كبرى، لكن إذا ذكّرتهم بما يجرى، والذكرى تنفع المؤمنين، تجدهم يتهمون كل مشروع من هذه المشروعات بألف اتهام واتهام من الفشل المزعوم، إلى الخسائر الوهمية، فإذا استعنت بالأرقام للرد عليهم، والرقم حقيقة، كما يقولون، تجدهم يواجهون الأرقام بالسفسطة، ويقابلونها باللف والدوران، ولأن المرض مزمن والشفاء ميئوس منه، كما قلنا، لذا فهؤلاء خارج دائرة الاهتمام أصلاً، إنما المأساة الكبرى فى أولئك الذين لا ينتمون إلى قوى الشر، بل هم فى الحقيقة، وطبقاً لمواقفهم الثابتة والدائمة فى خصومة معهم، لكنّهم بكل أسى وأسف يتأثرون بهم، ويُردّدون كلامهم من فرط الحصار الإعلامى المكثّف على مواقع التواصل الاجتماعى، أو بفعل تسريب شائعات إلى الشارع وتجد طريقها إليهم، وتتطور الأسئلة لتركها بغير إجابات.. آخر هذه الأسئلة عند تأكيد أن قناة السويس، رغم التراجع فى أسعار النفط والتجارة العالمية، فإنها لم تتأثر، بل زاد دخلها، فيكون السؤال الخبيث هو «وأين ذهبت عائدات القناة، حتى إننا لم نشهد تحسُّناً فى المعيشة، بل غلاء فى الأسعار، وتراجعاً فى العملة الوطنية؟! السؤال المركّب لم يُردّده البسطاء والعامة فقط، بل وشخصيات من النّخبة، أو للدقة من «المستنخبين»، ممن يحملون شهادات للدكتوراه وغيرها!
وتتملكنا الدهشة عند الإجابة عن السؤال الشرير، فكيف لا يعرف هؤلاء مثلاً أن هيئة الطرق والكبارى وحدها أنفقت فى مشاريعها الأخيرة ما يقرب من 10 مليارات جنيه، علماً بأن مشروعات الطرق الجديدة والكبارى والجسور يقوم عليها وزارات الدفاع والإسكان والنقل؟ وكيف لا يعرف هؤلاء، حتى اللحظة، أن بنداً واحداً أُعلن عنه الأسبوع الماضى، وهو زيادة المعاشات، بحيث لا يقل الحد الأدنى لأى معاش عن 500 جنيه، يُكلّف الميزانية 15 ملياراً من الجنيهات؟ وكيف لا يعرف هؤلاء أن عملاً كبيراً بدأ فى محافظات الصعيد وينتقل قريباً إلى محافظات الدلتا اسمه «كرامة وتكافل»، يُعيد الأمل فى الحياة إلى مئات الألوف من الأسر يمنح معاشاً شهرياً لكبار السن والمعوقين، ممن ليس لديهم دخل ثابت يصل إلى 1050 جنيهاً لبرنامج «كرامة» و625 جنيهاً لبرنامج «تكافل»، وأن عدد المستفيدين يزحف إلى مليون مواطن؟ وكيف لا يعرف هؤلاء تكلفة إنشاء الإسماعيلية الجديدة بأحيائها الـ5 و3310 عمارات و1220 فيلا و57 ألف وحدة سكنية، فضلاً عن مدارسها ومساجدها وكنائسها وأسواقها ووحداتها الصحية، وغيرها؟ بل كيف لا يعرفون أن قرية الأمل المجاورة لها تكلفتها وحدها تتجاوز الـ289 مليوناً، برفع كفاءة منازل قديمة بُنيت منذ سنوات وتُركت؟! وكيف لا يعرفون أن تكلفة الفدان الواحد فى مشروع المليون ونصف المليون فدان تصل إلى 185 ألف جنيه؟ وكيف لا يعرفون تكلفة توفير لبن الأطفال المدعوم، وتجهيز أكثر من ألف منفذ لتوزيعه؟ وكيف ستبنى الدولة 8 مجمّعات مدارس فى جنوب سيناء، أو بناء الـ10 آلاف وحدة فى رفح الجديدة، وإعادة تهيئة وتجهيز مستشفيات العريش وبئر العبد والمساعيد وإعادة مطار المليز بوسط سيناء للعمل؟ لن نتحدث عن المدارس الجديدة، ولا الأسمرات، ولا محطات الكهرباء، ولا علاج فيروس سى، ولا دعم الخبز، ولا التموين، ولا حتى شراء الأسلحة، التى رأيناها جميعاً من «الميسترال»، إلى «الرافال»، إلى «الفريم»، ولا إلى زيادة بدل العدوى لأبناء أكثر من مهنة، ولا إلى ما يجرى فى جبل الجلالة، ولا إلى الموانئ التى تتضاعف أرصفتها!
الآن نصل إلى النتيجة النهائية من السطور السابقة وقد قلناها مراراً وبمرارة: نحتاج إلى تخطيط مختلف للإعلام لمواجهة إعلام جديد يعتمد أدوات جديدة لا يمكن مواجهته بوسائل الإعلام الحالية، ولا بخطط تقليدية، وإنما تحتاج شبكات التواصل الاجتماعى إلى رؤية مختلفة!
■ الإذاعة تكسب
ليس تحيّزاً ولا انحيازاً، وإنما الواقع يقول إن الإذاعة وحدها التى وفّرت مساحة من برامجها لمواجهة الشائعات والأكاذيب وحملات التشكيك ومحاولات التأثير على الروح المعنوية للمصريين، وهى معركة الشعب المصرى الحقيقية الآن، التى يُحذّر منها الرئيس السيسى فى كل مرة يتحدث فيها إلى المصريين.. والواقع يقول إن الإذاعة وحدها التى كان ميكروفونها عند الإفطار فى رمضان، وفى ظل الطقس الحار مع «الشغيلة» فى 30 موقعاً بطول البلاد وعرضها، حتى إن الإذاعية اللامعة مى الشافعى لم تفطر يوماً فى بيتها، للقيام بذلك، وكل ذلك على شبكتها الرئيسية «البرنامج العام»، والواقع يقول إن الإذاعة وحدها تهتم بالبُعد القومى العربى وتشتبك مع الثقافة والفن العربى، والفنانين والمثقفين والسياسيين العرب فى كل مكان، من خلال «صوت العرب»، ووحدها تمنح مساحات واسعة لحل مشكلات الناس والشباب والمرأة وكبار السن فى شبكات «الشباب والرياضة» و«إذاعة الكبار» و«صوت مصر»، ووحدها من يحترم العاملون بها اللغة العربية، ووحدها من تشتبك الدراما فيها مع الواقع، ومع معارك وقضايا الوطن، وأخيراً سينطلق غداً، وبإشراف مباشر من السيدة صفاء حجازى، رئيس الاتحاد، والسيدة نادية مبروك، رئيس الإذاعة، أول برنامج يُقدّم من داخل الأديرة المصرية، ولاقى استحساناً ودعماً كبيراً من قداسة البابا تواضروس، وهو أول برنامج فى وسيلة إعلام رسمية عن دور العبادة المسيحية، ستُقدّمه الإذاعية براء المطيعى، ابنة الكاتب الكبير الراحل لمعى المطيعى، وسيُخرجه صفى الدين حسن!
الإذاعة تُقدّم ذلك بإمكانيات لا تُذكر، ومن يزور مكاتب مديرى الشبكات لن يصدق أن أُولى إذاعات المنطقة وأفريقيا تُدار بمثل هذه التواضع! وللأمانة، فهى أَولى بالدعم من هيئات أخرى بعد التيقُّن من استمرار تأثيرها على الناس داخل وخارج البلاد، وليس كما يُشاع من أن الفضائيات استولت على المواطن المصرى.. ادعموا الإذاعة تدعمون مباشرة الأمن القومى!