نعم.. هناك شائعات عجيبة بدأت تنتشر فى أوساط المصريين، خصوصاً بين الطبقات الشعبية منهم، موضوعها الأساسى الأكل والشرب والتعليم، فهناك من يتحدّث عن أننا لن نجد الأكل وأن الحصيف من يُخزّن الطعام، وهناك من يقول إن التلاميذ لن يجدوا كتباً دراسية هذا العام بسبب نقص الدولار، وهناك من يُردّد أن الدولار مش عارف حيبقى بكام!. ويمكنك أن تستنتج بسهولة الأطراف المروّجة لهذه الشائعات، هناك جماعة الإخوان، وهناك عناصر مما يطلق عليها الدولة العميقة، وقد تكون هناك أطراف أخرى خفية، تجتمع مع هذين الطرفين على فكرة «الخصومة مع نظام الحكم».
متى تنتشر الشائعات؟.. تنتشر الشائعات عندما تُسيطر على الواقع حالة من الارتباك، وعندما يُصاب المجموع بإحساس بالقلق من المستقبل. فى هذه الأوقات تروج الشائعات، فالعقل المرتبك والنفس غير المطمئنة، تمثل طعاماً شهياً للشائعات ومروجيها. وقد يُسهم أداء الحكومات فى ترويج الشائعات. على سبيل المثال منذ عدة أسابيع راجت شائعة بأن أسعار السجائر ستزيد، بسبب ارتفاع سعر الدولار. وتلكّأت الحكومة فى التعامل مع الشائعة. فماذا كانت النتيجة؟. اختفت السجائر فجأة من الأسواق، ثم ارتفعت أسعارها، وأصبح كل تاجر أو بائع يمنحها للمستهلك بسعر مختلف، إلى الحد الذى دفع أحد المسئولين بالشركة الشرقية للدخان إلى دعوة الحكومة إلى رفع أسعار السجائر حتى تستفيد من المكاسب المهولة التى يحصدها التجار!. خذ عندك أيضاً سعر الدولار، ففى الوقت الذى تتخذ فيه الحكومة إجراءات متشدّدة ضد شركات الصرافة، لا يتوقف المسئولون عن الحديث عن خفض سعر الجنيه، من منطلق أن هذا هو الوضع الطبيعى تارة، ومن منطلق أن التعويم الجزئى أحد شروط قرض صندوق النقد الدولى تارة أخرى. خذ مثالاً أخيراً بالزيادة المتوقعة فى سعر تذكرة المترو، والكلام الكثير الذى سمعه الناس، وقد وصل الأمر إلى الحديث عن 25 جنيهاً كسعر حقيقى لتذكرة المترو (فى دراسة لوزارة النقل نشرها موقع جريدة «المصرى اليوم»)!.
كيف يمكن أن تواجه الشائعات؟.. الواقع الناجح هو وحده القادر على مواجهة الشائعات، فى حين يؤدى الواقع «الملخبط» إلى لخبطة الناس، ويتسبّب الأداء المرتبك فى إرباك الأحوال. لقد أصدر مجلس الوزراء منذ يومين بياناً ينفى فيه 8 شائعات، وهى خطوة طيبة وإيجابية، فالمعلومات سلاح من أسلحة أى حكومة لمواجهة الشائعات، لكن من المهم أن يتفهّم القائمون على الأمر أن تصحيح الأداء فى الواقع هو الأداة السحرية للقضاء على الشائعة. على سبيل المثال نفى بيان مجلس الوزراء شائعة وقف طباعة الكتب المدرسية بسبب نقص الدولار. هنا لا بد أن تُسرع الوزارة إلى توفير الكتب فى المدارس، ودعوة التلاميذ والطلاب إلى تسلّمها، فذهاب ولى أمر واحد إلى المدرسة وحصوله على الكتب لابنه أو ابنته كفيل بنسف هذه الشائعة وغيرها لدى الناس، أما إذا ذهب ولم يجدها متوافرة فإن ذلك سيدعم الشائعة.. جميل أن تنفى الشائعة ببيان رسمى، لكن الأجمل والأوقع أن يؤكد الواقع مصداقيتك، وأن تشهد التجربة المعيشية للمواطن على أن ما يسمعه من هنا أو هناك هو مجرد «إشاعات.. إشاعات.. إشاعات»..!.