فى عام 61، وأثناء التحضير للمؤتمر الوطنى للقوى الشعبية تقدّم السيد مصطفى البرادعى نقيب المحامين لإلقاء كلمته، وكان ترتيبه الثالث بين المتحدثين.. ووفقاً لشهادات أبناء مصطفى البرادعى فى والدهم، فإنه فى كلمته طالب بحرية الصحافة والأحزاب مما دعا السيد محمد أنور السادات، وكان سكرتير المؤتمر وقتها، إلى وقفه عن الكلام وإبلاغه أن الوقت المخصّص لكلمته قد انتهى، مما دعا «البرادعى الكبير» إلى رفض ذلك، وحاول استكمال الحديث، فمنعه «السادات» مرة ثانية، فقال الكبير: «لقد انتُزعت من المنصة انتزاعاً»! وفى رسالة من الدكتور حامد متولى، أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم، إلى الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ أحمد الجمال ينفى القصة جملة وتفصيلاً، والمدهش أنه يروى القصة بما فيها نص كلمة «البرادعى الكبير»، والأكثر دهشة أنه يُرفق برسالته صورة ضوئية من نص الكلمة، احتفظ بها من ملفات المؤتمر، وفيها يقول الكبير ما معناه إن المحامين هم طبقة العمال، ولهم أن يتمتعوا بامتيازاتهم، «وأرجو أن يكون من أهم أعمال المؤتمر أن يُحقق الاشتراكية فى جميع القطاعات، بما فيها المحامون والنقابات المختلفة»! ثم نصوص أخرى يزايد فيها الكبير على عتاة الاشتراكيين وكبار القوميين!
«البرادعى الصغير»، وفى لقاءات مُتعدّدة، أشهرها كانت مع الإعلامية منى الشاذلى على شاشة «دريم» يقول نصاً: إنه يُفضّل أن يصف «عبدالناصر» بـ«الطاغوت عبدالناصر»، ثم راح يهاجم «ناصر» بعنف منتقداً وبشدة مجانية التعليم، والأخطر أنه ظل يروى قصصاً عن اضطهاد والده فى عهد «عبدالناصر»، وكيف عانى فى عهده!!
فى سيرة «البرادعى الكبير» ما يقول إنه كان نقيباً للمحامين فى عهد جمال عبدالناصر عدة مرات وعضواً قيادياً بالاتحاد الاشتراكى، بل كان نائباً بمجلس الأمة!! ولا نعرف هل كان معارض للنظام وصل إلى كل ذلك؟ وبالتالى يكون «البرادعى الصغير» كاذباً لا محالة، ويهاجم «عبدالناصر» بغير الحقيقة.. أم أن والده كان مؤيداً للنظام وقتها، ونص كلمته وما تولاه من مناصب يشى بذلك، وبالتالى يكون «البرادعى الصغير» كاذباً أيضاً ولا محالة؟! على كل حال نترك الإجابة لعقول أصحاب العقول، ما يعنينا بعد كل هذا الاستهلال الطويل هو إعلان العجب العلنى من «البرادعى الصغير».. الذى يُمارس الآن سياسة المعارضة «اللف» أسوة بـ«الملاية اللف» فى الحارات الشعبية.. فهو مرة، وعلى وقت قريب من انتخابات البرلمان المصرى، يتحدّث عن الوزراء والحكام الشباب فى دول العالم وأعمارهم الصغيرة، فيستقبل متابعوه تغريدته ويناقشون استبعاد الشباب من العمل العام فى مصر، فى محاولة للتشويش على وجود أكبر عدد من النواب الشباب فى تاريخ برلمانات مصر! أما الاثنين الماضى فقد فاجأنا «البرادعى» بتغريدته المدهشة، لنُعلن هذه المرة العجب العجاب.. فـ«البرادعى» يتداخل فى حملة الهجوم على النظام فى مصر.. ليس ليرد شائعة أو يستهجن أخرى.. وليس ليقول رأيه فى التدخُّل الأمريكى فى ليبيا أو التواطؤ الأمريكى مع الأكراد فى سوريا للانفصال عن الدولة السورية أو حتى للحماية الأمريكية المفضوحة لجماعات الإرهاب هناك أو حتى يقول «البرادعى» رأيه فى تصريحات أحمد المغير، أو على الأقل يُبدى رأيه فى التصريحات التركية تجاه مصر.. إنما يترك «البرادعى» كل ذلك محلقاً بين صفحات التاريخ، ليقول الآتى نصاً، ونصاً الآتى:
«فى عام ١٩٦٠، متوسط دخل الفرد السنوى فى كوريا ١٥٥ دولاراً، وفى مصر ٣٢٣ دولاراً، فى ٢٠١٤ الدخل فى كوريا ٢٧٫٩٧٠ وفى مصر ٣٫٣٦٥. الإجابة: العلم والحكم الرشيد»! وبالطبع علامات التعجُّب من عندنا.. فـ«البرادعى» يشهد أخيراً للعصر الذى هاجمه طويلاً.. حيث هاجمه لأنهم فى أمريكا وإسرائيل يكرهونه.. والآن يمتدحه لأنهم فى أمريكا وإسرائيل يكرهون «السيسى»!
الآن البرادعى يمتدح عصر «عبدالناصر» ويصفه بالرشيد، ولو استكمل «البرادعى» أرقامه وقد تركها خصيصاً ليتمكن من الهجوم فى ما بعد على الزعيم الخالد، لأدرك أن مصر ظلت أقوى من كوريا حتى رحيل «ناصر»، رغم كل معاركها وحروبها والحصار المفروض عليها وإعادتها بناء جيشها، ورغم الدعم المفتوح من أمريكا لكوريا الجنوبية، نكاية فى كوريا الشمالية حليفة الاتحاد السوفيتى وقتها والصين.. لكن الذى لم يقله «البرادعى» أن «السيسى» جاء بعد «عبدالناصر» بأربعة وأربعين عاماً كاملة، كان من جاءوا بينهما قد باعوا ما بناه «عبدالناصر» برخص التراب ودمّروا الصناعة المحلية، وفتحوا الباب على مصراعيه للاستيراد، واستبدلوا قيم العمل والادخار والصناعة الوطنية بقيم الفهلوة والشطارة ودهان «الهوا دوكو»!
كل شىء عند «البرادعى» مباح.. طالما يخدم أفكاره ويؤدى الغرض.. لكن الآن ستجدون أتباعه سيهتمون بنصف تغريدته.. نصفها الثانى طبعاً.. لأن كل أتباعه يكرهون «عبدالناصر» و«السيسى» معاً.. مهما قال لهم هو نفسه من أرقام.. ومهما أكد لهم المنطق من اختلافات وفروق.. فالغرض مرض كما يقولون!!