يتوافق صدور كتاب «سيرة حياة رائد السينما التسجيلية سعد نديم» للباحث والمخرج المخضرم محمود سامى عطاالله عن سلسلة «كتاب اليوم»، مع ذكرى مرور ثلاثة وثلاثين عاماً على رحيل الرائد الكبير فى ١١ مارس ١٩٨٠ عن ستين سنة قضى أكثر من نصفها متبتلاً فى رحاب معشوقته «السينما التسجيلية» التى أخلص لها وأخلصت له منذ تعرّف عليها فى سنواته الأولى بدرب السينما الطويل وآمن برسالتها فى المعرفة والتنوير بما تملكه من قدرة على التعبير عن الواقع والدفع فى طريق التغيير.
تأتى ريادة سعد نديم - رغم أنه ليس أول مخرج لأفلام تسجيلية فى مصر - من أنه صاحب فكرة، ثم مسئول عن أول وحدة خاصة للسينما القصيرة فى ستوديو مصر عام ١٩٤٦ ومن خلالها قدم أول أفلامه «الخيول العربية» عام ١٩٤٧، وظل مسئولاً عنها حتى بداية بعثته إلى لندن لدراسة السينما التسجيلية عام ١٩٥٠ والتى استمرت أربع سنوات تتلمذ فيها على يد آباء هذه السينما مثل چون جريرسون وبول روثا وتبنّى رؤيتهم لها باعتبارها «المعالجة الخلاقة للواقع، معتمدة على مفردات ومواد مصورة من الحياة الجارية بهدف تحليلها وإبراز جوهرها».
يتابع الكتاب عبر فصوله الثمانية رحلة سعد نديم فى الحياة منذ سنوات نشأته الأولى وحتى وفاته، وفى العمل مخرجاً وناقداً ومنتجاً ومسئولاً إدارياً ومشاركاً فى العمل العام بالإضافة لشهادات لعدد من النقاد وبعض معاصريه مع فيلموجرافيا كاملة تضم تسعة وسبعين فيلماً هى حصاد رحلته منذ عام ١٩٤٧ وحتى آخر أفلامه «من فيلة إلى إيجيليكا» عام ١٩٧٩.
كتاب سامى عطاالله هو الكتاب الثانى عن سعد نديم فى المكتبة السينمائية العربية بعد الدراسة الممتعة، رفيعة المستوى للناقد الكبير كمال رمزى التى أصدرها المركز القومى للسينما عام ١٩٨٨، وتضمنت قراءة تحليلية متعمقة لعالم الرائد الكبير السينمائى والنقدى، مبرزة النقاط المضيئة فى مسيرته الفنية والفكرية. وهى الدراسة التى استفاد منها عطاالله خاصة فى عرض رؤية نديم النقدية.
كان للمخرج الكبير صلاح أبوسيف أثر واضح فى تشكيل فكر ووجدان سعد، فهو ابن خالته، ورئيسه فى قسم المونتاج باستوديو مصر وأسسا معاً وعدد من المثقفين، من بينهم محمد عودة وكامل التلمسانى وأسعد حليم وغيرهم، جمعية «الثقافة والفراغ» ذات التوجه اليسارى الذى بدا تأثيره ملحوظاً فى مسيرة سعد نديم الفكرية خاصة حين توقف عن الإخراج فى نهاية ١٩٥٦ وبدأ الكتابة النقدية فى جريدة المساء فى الفترة من ١٩٥٧ حتى ١٩٥٩ وفيها تبلورت رؤية سعد نديم التقدمية المنحازة للفقراء والعمال والكادحين وبحثه عن سينما مختلفة عن السينما التجارية الاستهلاكية السائدة، سينما تعبر عن الواقع المصرى فى تلك الفترة من الازدهار الثورى.
يشير المؤلف إلى تلك العلامات الفارقة فى سينما نديم مبرزاً دور فيلمه «فليشهد العالم» عن العدوان الثلاثى على مدينة بورسعيد والذى استخدمه عبدالناصر فى التأثير على الرأى العام فى بريطانيا الذى أدان العدوان وطالبت الصحافة بإيقافه وكتبت «امنعوا رائحة العار عن بريطانيا» ثم ثلاثيته عن هزيمة ١٩٦٧ «العار لأمريكا» و«لسنا وحدنا» و«عدوان على الوطن العربى»، إضافة إلى دوره المهم فى تقديم حياة سكان منطقة النوبة فناً وفكراً وحياةً، واهتمامه بالفن التشكيلى كأحد الروافد الأساسية فى الثقافة الوطنية وتقديمه للجمهور من خلال أعمال كبار الفنانين.
الكتاب فى مجمله مراجعة مهمة لتاريخ المخرج والناقد سعد نديم وتذكير بدوره كقوة دافعة كمسئول عن المركز القومى للأفلام التسجيلية خلال فترة السبعينات الذهبية قدم فيها جيلاً جديداً شاباً أضفى على السينما التسجيلية بهاءً وأكد دورها فى التعبير عن الواقع المصرى المعاصر من خلال رؤية تدرك أن معرفة الواقع هى الخطوة الأولى نحو التغيير إلى الأفضل.