سنبقى لفترة طويلة فى أصداء مؤتمر الشباب بشرم الشيخ ونجاحه الباهر على الأقل بسبب قراراته الختامية التى ضمنت تنفيذ توصياته واستمرارية حركته وفعالياته..
ولا يمكن تصور نجاح كهذا مع عدد كبير من المشاركين بغير تنظيم جيد جداً حول المؤتمر كله بجديته وجدية مناقشاته وسخونتها أحياناً إلى نزهة رائعة انتهت بسلام ونجاح.. وبالطبع انتهت الفعاليات والجلسات وإنما لم ينته المؤتمر.. الذى تحول إلى مؤسسة دائمة!
هذا النجاح فى التنظيم من اختيار أسماء المشاركين وإرسال دعواتهم وحجز تذاكر سفرهم وأماكن إقامتهم ووسائل تنقلاتهم الداخلية وطريقة دخولهم المؤتمر ومشاركتهم بالداخل فى جلساته وورشه.. كله.. يستحق التحية.. وسنضرب مثالاً بسيطاً يبرز الرغبة فى توفير أجواء الراحة للمشاركين، فقد كانت لقاءات رؤساء مصر السابقين تقتضى مثلاً حضور المشاركين لمكان المؤتمر قبلها بساعتين على الأقل دون أن يتحرك أحد أو يذهب لأى مكان وذلك لأسباب أمنية.. هذه الطريقة تم استبدالها بالوجود فى قاعة الاستقبال الكبيرة جداً لحين بدء اللقاءات أسهم فى ذلك تنقل الرئيس السيسى بين أركان المؤتمر، فتحول الأمر إلى جو عائلى كبير!
ولن نضيف شيئاً للقارئ وللتاريخ إن كررنا ما كتبه غيرنا ولذلك سنحاول أن ننقل الناس إلى جنبات المؤتمر ليعرفوا ويتعرفوا على بعض مما دار فيه من لقطات ومواقف ربما تهم البعض وربما تعطى دلالات مفيدة عن البعض الآخر..
فهذا صحفى وإعلامى مثير للجدل عندما التقى إعلامياً آخر اشتهر بالاحترام والوقار صرخ له: «تقدر تقولى إحنا فين وليه؟» الإعلامى المحترم رد بذكاء وحكمة وقال: «أقدر أقولك إحنا فين.. لكن إحنا ليه دى بتاعتك إنت»!
صحفى آخر يمارس الإعلام ظل ينتقد المؤتمر طوال الوقت حتى كاد رئيس تحرير صحيفة حزبية ليبرالية معارضة أن يشتبك معه فى إحدى المرات فى مطعم الفندق!
لم تكن الإجراءات الأمنية مزعجة بل كانت تشى بالثقة فى النفس حتى إن الطرق أمام قاعة المؤتمر لم تغلق وظلت حركة السيارات كما هى، فكان يمكن لكل من يريد مغادرة المكان دون انتظار سيارات المؤتمر أن يستوقف أى سيارة أجرة للعودة للفندق.. إنما تسبب الاستعجال فى ذلك أثناء هطول الأمطار إلى أزمة للمغادرين تسببت فى نزلات برد لبعضهم فضلاً عن غرق ملابسهم.. وعن ذلك قصة سنرويها آخر المقال!
تحولت مقاهى وسط البلد والسوق إلى تجمع لأبناء كل صحيفة بعد أن فرقتهم الإقامة على أكثر من فندق وفى كل الفنادق كانت المعاملة رائعة وجيدة وفرحة العاملين بها بالصحفيين والمشاركين من الشخصيات العامة كانت كبيرة وحزنهم كان كذلك أيضاً عند انتهاء المؤتمر.. فحال السياحة لم يزل بعافية جداً بكل أسى!
لم يعلن للناس أن الرئيس السيسى التقى الإعلاميين الشباب واعتذر منظمو المؤتمر للإعلاميين من غير الشباب لحضور اللقاء الذى يبدو أن الرئيس خصصه للاستماع إلى مشاكل الإعلاميين الشباب وأفسد سوء الأحوال الجوية فى اليوم التالى لقاءً مماثلاً بين الرئيس والصحفيين..
كان سلوك أبناء البرنامج الرئاسى متحضراً وملفتاً للنظر، بينما كان المشهد أكثر جاذبية عند الحصول على الصور التذكارية للمشاركين مع الرئيس، حيث كانوا يرتبون صفوفهم، ويأتى الرئيس للتصوير معهم ثم يعود للاستراحة لحين ترتيب آخرين غيرهم لصفوفهم وهكذا ولم يرد الرئيس إحراج أحد أو الاعتذار لأحد رغم إرهاق مناقشات المؤتمر التى لم يغادرها الرئيس طوال أيامه الثلاثة.. فقد اعتقدنا أن الرئيس سيفتتح المؤتمر ويغادره إنما حدث العكس تماماً، حتى إننا وكنا مجموعة مختلطة من الصحفيين، وبعض أمناء شباب عدد من الأحزاب المصرية قررنا الانصراف إلى داخل القاعة لحجز الأماكن قبل وصول الرئيس السيسى فدخلنا وجدناه بالداخل! دون أى إرباك فى إجراءات الأمن ودون أى مضايقات وببساطة مدهشة!
أستاذنا الكاتب الصحفى الكبير محمد أمين الوحيد الذى كلما تمنى وجود زميل ما فى شرم الشيخ التقاه.. حيث إن بعضهم وصل على مراحل وليس فى يوم واحد.. بدأها معنا فى اليوم الأول.. وفى الثانى مع أستاذنا الكاتب الصحفى عصام كامل واليوم الثالث مع غيره ثم قرر أن يتمنى فى اليوم الرابع مليون جنيه، وبالطبع لم يأت المليون!
الإعلامى الكبير أسامة كمال ظل فترة طويلة بين ممرين لا يعرف أن يتحرك من كثرة المصافحين حتى اقترب موعد ندوته، فغادر المكان مضطراً.. وفى جدل أثار انتباه البعض كان من الدكتور مصطفى الفقى، فقد أصر على الرد على وزير الشباب.. بعد أن أشار الفقى إلى منظمة الشباب التى كانت فى الستينات وحتى منتصف السبعينات ووصفها بأنها أخرجت أجيالاً تحب وطنها وتنتمى له.. وزير الشباب فى كلمته قال إنه لا يمكن نقل تجارب فى ظروف مختلفة إلى ظروفنا اليوم.. الفقى رد قائلاً إنه لا يقصد نقل التجربة إنما تحقيق الهدف منها وهو الانتماء وتخريج أجيال تصنع المستقبل!
بالطبع أى عمل بشرى به وعليه ملاحظات لا يؤثر على الصورة العامة إنما وجودها كان سيضيف للمؤتمر.. فقد كنا نتمنى مثلاً وجود الشباب الناصرى بتمثيل أكبر.. لسبب بسيط جداً وهو أنهم يمثلون رؤية مختلفة تماماً مع مجمل الأحزاب المشاركة من الوفد والمحافظين وغيرها من الأحزاب الليبرالية وبالتالى وجود وجهة النظر الأخرى كان سيثرى الحوارات أكثر وأكثر.. بقى أن نروى اليوم الأخير بعد انتهاء المؤتمر وغادرنا مجموعة من الصحفيين، منهم الكاتب الصحفى مجدى سرحان، رئيس تحرير الوفد السابق، والكاتب والإعلامى الدكتور نشأت الديهى.. كانت الأمطار لا تتوقف.. ولا يوجد مخبأ للجوء إليه وكل سيارات الأجرة ممتلئة، ولا يتوقف منها أحد.. وفجأة اقتربت سيارة فخمة وصاحبها يطلب توصيلنا ويدعونا إليه.. لم نصدق وأسرعنا للداخل اتقاءً للمطر الرهيب.. كانت تبدو على الرجل الهيبة الكبيرة.. قرآن بصوت منخفض فى السيارة.. رحب بنا ولم يبال بما سببناه له فى سيارته من ماء وطين.. سألنا عن أى فندق ذاهبون وأبلغناه ووجدناه يعرف شرم الشيخ جيداً. سألناه إن كان يقيم فيها؟ قال لا، بل من الجيزة.. وأصر على توصيلنا حتى باب الفندق.. وأخجلنا بكرمه بشكل لم نصدقه.. وتساءلنا عن سر تصرفه معنا هكذا.. إلا أن غموضه مع كرمه دفعنا لأن نسأله قبل أن نغادر سيارته لنعرف من أين جاء وكيف جاء: هل حضرتك تعمل بالسياحة؟ أجاب فى هدوء وأدب وثقة وبابتسامة مهذبة: سـأريحكم.. أنا من رئاسة الجمهورية!!