هل كان يتوقع أحد فوز «ترامب»؟ هل كان يتوقع أحد وقف شركة سعودية البترول عن مصر؟ هل كان يتوقع أحد الموقف الروسى العنيد القوى فى سوريا؟ هل كان يتوقع أحد أن يقول الإخوانى إبراهيم منير عن نفسه إنه كان يتعامل مع الأمن فى الستينات؟ وهل كان يتوقع أحد أن يبقى «منير» فى موقعه فى «التنظيم الدولى» دقيقة واحدة بعد التصريح القنبلة؟ وهل كان يتوقع أحد فى حالة «أردوغان» نفسه أن يؤدى «أردوغان» الإخوان ويقيم علاقات مع العدو الإسرائيلى تصل إلى حد التحالف؟ وهل كان يتوقع أحد بعد كل الاستعراض الذى جرى أن يذهب «أردوغان» إلى موسكو ويعتذر لـ«بوتين»؟ وهل كان يتوقع أحد أن يُمرر «أردوغان» حلولاً تتجاهل تنحى الرئيس بشار الأسد عن السلطة بعد سنوات من التشدُّد؟ وهل كان يتوقع أحد عشرات التطورات والتغيّرات، بل والانقلابات فى سياسات دول كثيرة وتحولات لشخصيات مختلفة لم يزل بعضها محل بحث وفحص؟ كل ما سبق يدعونا إلى التفكير حتى لو مبكراً جداً فى تلك اللحظة التى قد يجلس فيها الرئيس السيسى مع «أردوغان» للتفاوض..
بالطبع ليس بالضرورة أن يجلس الرئيس بنفسه، لكن أياً كان الشخص المفوض بالتفاوض فإن القرار الأخير وتفاصيل المفاوضات وحدودها والمسموح والممنوع فيها سيكون فى يد كلا الرئيسين.. لذلك فربما كان من الأفضل وضع ذلك مبكراً من جانبنا على الأقل لنكون عند الضرورة فى كامل الجاهزية لذلك.. ومعظم الدول الديمقراطية الحديثة تفعل ذلك وتضع تصوراتها لسياساتها لسنوات طويلة مقبلة وفق استراتيجية شاملة، والسطور السابقة ليست فرضية فى الهواء نبحث لها عن إجابة من الهواء.. لا.. إنما السطور السابقة واللاحقة تحاول أن تضع خطة متكاملة أو هكذا نظن لإدارة المعركة مع «أردوغان»، حتى لو كانت معركة سياسية طويلة النفس..
وطبيعة أى معركة سياسية أو حتى سياسية حادة وعنيفة أن يمتلك كلا طرفيها أوراقاً لاستخدامها فى اللحظة المناسبة وكما ينبغى.. فإن تصورنا أن المفاوضات ستتم غداً، فماذا يمكن أن يطرح كل طرف على مائدة المفاوضات؟ ماذا يمكن أن تطلب مصر؟ وماذا يمكن أن تطلب تركيا؟ ربما سيكون رأى أى مصرى الآن أن تطلب مصر من تركيا تسليم الصادر بحقهم أحكام قضائية من المقيمين على أراضيها، وربما نطلب أيضاً إغلاق قنوات فضائية تبث من تركيا.. فماذا يمكن إذاً أن يطلب «أردوغان»؟ من المؤكد أن تكون مطالب «أردوغان» تخص مستقبل الإخوان فى مصر وأولها الإفراج عن قيادات الجماعة، وهنا تكون مصر أمام موقفين لا ثالث لهما.. إما القبول بالمطالب التى ربما ستتم مفاوضاتها بتدخل أطراف دولية أو رفضها ثم فشلها.. ورفضها سيكون لأسباب شعبية جماهيرية، وليس لأسباب قانونية.. فقد تأسست سابقة الإفراج عن محكوم عليهم بأحكام نهائية بالإفراج عن الـ82 سجيناً الأسبوع الماضى، وبالتالى سيكون الرفض المصرى غير مقنع، لأن الحجة وقتئذ ستكون غير حقيقية.. وبالتالى يبدو السؤال المهم.. وما العمل؟ ما العمل أصلاً ليتم الضغط على «أردوغان» الذى يمارس دوراً ضد مصر بعزف منفرد دون أى رد من مصر؟ لا حل إلا بامتلاك أوراق سياسية أو ما يسمونه «كروت سياسية» لاستخدامها فى المفاوضات وستكون حتماً من أولويات النظام التركى الذى بات مؤكداً أنه يعانى من حساسية مزمنة من أى اقتراب من نظامه ومن حكمه ومن سلطاته. فمثلاً هو يدعم الإخوان والسؤال: لماذا لا تدعم مصر الأكراد؟ هو يستضيف قيادات إخوانية، فلماذا لا تستضيف مصر قيادات تركية؟ هو يمنح الإخوان محطات فضائية، فلماذا لا تمنح مصر الأكراد قنوات فضائية؟ أو حتى غير الأكراد.. المعارضة هناك واسعة ممتدة من اليسار إلى فتح الله جولن؟ والذى لا نعرف مصير استمرار إقامته فى الولايات المتحدة بعد تولى «ترامب».. لذلك يجب صناعة خطوط دفاع سياسية متقدمة، فإن طلبت مصر تسليم أو طرد مطلوبين سيطلب النظام التركى تسليم مطلوبين صدرت بحقهم أحكام، وإذا طلبت مصر إغلاق قنوات عندئذ سيطلب «أردوغان» إغلاق قنوات، وبالتالى يمكن أن تتم المفاوضات دون التطرّق أصلاً إلى ملفات أخرى!
للأمانة، تبدو مهارة العدو الإسرائيلى وقادته فى ذلك. فقُرب أى مفاوضات يقوم العدو بإجراءات عدوانية كثيرة، منها بناء مستوطنات، أو استيلاء على أراضٍ، أو اعتقال مواطنين، فإن بدأت المفاوضات يكون قد امتلك أوراقاً كثيرة على مائدة المفاوضات، وتزيد على مطالب الطرف الآخر!!
السياسة لا تعرف المثالية بكل أسف.. والمعارك الدبلوماسية لا تقل أهمية عن المعارك الحربية.. والاستعداد لها واجب وطنى.. والترتيب لها مبكراً من شروط الاستعداد الجيّد، فاستعدوا ليوم قد يبدو بعيداً.. لكنه قد يطل علينا فى أى لحظة!
مجلس الوزراء
كتبنا الأسبوع قبل الماضى مقالاً بعنوان «لسان الحكومة.. الكارثة الحقيقية»، تناولنا فيه أخطاء الحكومة وبعض الوزراء فى التعامل مع كثير من القضايا الجماهيرية، وبما يزيد من الغضب الجماهيرى وليس العكس.. وبعد المقال اتصل الأستاذ أسامة عبدالعزيز، المستشار الإعلامى لمجلس الوزراء، حيث حيّا المقال وصاحبه، وأكد أنه محل تقدير واحترام، بل سيكون ما جاء فيه محل اهتمام الفترة المقبلة!
كلام المستشار الإعلامى لمجلس الوزراء يعكس الاحترام لدور الصحافة والصحفيين، ويؤكد مستوى جديداً بين الحكومة والصحف ويدعم فكرة تكامل الأدوار بين ممثلى الرأى العام والحكومة المصرية وتفهمها الكبير لأهمية كشف الأخطاء لمواجهتها والتخلص منها، ويبرز الاستنارة التى تُدار بها العلاقة بين الحكومة ومختلف وسائل الإعلام بما يحق معه تقديم الشكر للحكومة ومستشارها الإعلامى على أمل مزيد من الانفتاح الحكومى مع جميع الصحف وجميع الصحفيين!