المصريون يعيشون الآن فى قلب أجواء تحاكى المولد ولكن الناضح بالكآبة، حيث العشوائية المفضية إلى التيه، فمع كل إشراقة نهارية تأتى الأخبار بما لا تشتهى الأنفس، يطبعون مع المجهول، (هم فى انتظار جودو) كما كتب بيكيت، أى فى انتظار المنقذ والبهجة فلا يأتيان. هم يعيشون ويموتون موتا معنويا على فوهة انتخابات رئاسية يغيب عنها الوعى المنشود كما حدث فى موقعة صناديق البرلمان المكتظة بتوابع الاستبداد، ربما تقودهم إلى استبداد آخر مهلك باسم العقيدة، فالمصرى مطحون بيومه، مسكون بلحظة لا يستفيد من دروس الأمس المكللة بالحكمة ولا يتطلع إلى الغد بمشروع جاد، نهضة تتجلى فى الحرية، المساواة، التنوير والعلم أى خصائص الوعى الإنسانى، بل يجنح هو إلى الغريزة.
اختار الشعب المسير بتوابع *لاستبداد التيارات المتأسلمة ظاهرها التقوى وباطنها شهوة امتطاء السلطة، أحادية الفكر، احتكار واحتقار ما عداها.
تاريخ الخوارج يقول إنهم كفروا المجتمع كله بمن فيه الخلفاء الراشدون، فسقطوا فى براثن النرجسية وتكفير الآخر، فحاربهم على بن أبى طالب حتى خرجوا وتمركزوا فى أوصال المدن.
وهناك مضاهاة شاهقة بينهم وبين جماعات اليوم، هو ذات الازدراء للوطن، للأرض، بل لصلة الرحم، فجنسية المسلم إسلامه الذى يتبع الكتالوج الذى يقررونه، فوجب تسييس الدين وتديين السياسة، ونحر حرية الرأى والإبداع كما حدث مع عادل إمام، فنعم لازدراء الإنسان والأوطان وإحياء محاكم التفتيش، وفى (فجر الإسلام)، لأحمد أمين يقول: «وقد غَلَـوا فى أنظارهم حتى عدوا مرتكب الكبيرة -وأحيانا الصغيرة- كافرا، وتشدد كثير منهم فى النظر إلى غيرهم من المسلمين فعدوهم كفارا، وقال لهم العظيم عمر بن عبد العزيز:«لكنكم أردتم الآخرة فأخطأتم سبيلها»، ومن أشهر فرقهم الأزارقة فكفروا جميع المسلمين ما عداهم، وما أشبه اليوم بالبارحة، فكانوا يطالبون بعدم الزواج من خارجهم وسمعنا ذات النداء من محامى الإخوان، أما أبوحذيفة المطرود ظاهريا من فردوس الجماعة مؤقتا فليستقطب كل فصائل المجتمع الغارق فى فقدان الذاكرة والوعى.