الزوايا خارج سيطرة "الأوقاف" .. دعاة متطوعون والسياسة "وجبة رئيسية"
يُرفع أذان العصر فى زاوية صغيرة بشارع ترعة الشابورى بمنطقة شبرا الخيمة، يهرول الحاج محمد شعبان -كما ينادونه- تاركاً محله المملوء بالمواد الغذائية لجارته «خللى بالك يا أم رمضان هاصلى وجاى تانى»، تنتهى صلاة العصر، ينهض شباب عشرينى من مكان صلاته بالصف الأول والوحيد بالمصلى، يقف بجوار الإمام الجالس أمام المصلين، موجهاً كلامه لمن تبقى منهم.
يبدأ الشاب كلامه بذكر الله ومناجاته، يسترسل فى حديثه قائلاً إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدير الدولة الإسلامية من مسجد قباء بالمدينة المنورة، ويناقش أمور المسلمين ومشاكلهم فى المسجد. مقدمة يرى محمد شعبان، 60 سنة، أحد رواد المسجد الدائمين، أنها محاولة يهدف من ورائها الخطيب الشاب إلى تبرير الحديث داخل المسجد فى السياسة، والاستقطاب المتبادل بين القوى السياسية وبعضها، إذ سرعان ما ينتقل الخطيب الشاب إلى الحديث عن حال البلد «الواقف» -كما يصفه- مرجعاً السبب فى وقف الحال إلى تآمر بعض القوى السياسية على المشروع الإسلامى ومحاولة إفشاله، على حد تعبيره، ليرد عليه أحد المصلين بأن جميع القوى السياسية سواء الإسلامية منها أو المدنية تسعى لتحقيق مصالحها الشخصية. يترك صاحب محل البقالة هذا السجال، ويخرج من المسجد ليعاود مزاولة نشاطه التجارى المعتاد، رافضاً تحويل المسجد إلى مكان لمناقشة الخلافات السياسية، مضيفاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدير شئون المسلمين من المسجد، ولم يكن هناك خلاف بين المسلمين أنفسهم أيام الرسول، لكن اليوم ما يحدث فى المسجد يزيد من انقسام المسلمين بسبب محاولة البعض عرض وجهة نظرهم التى تنتهى أحياناً بالصدام والاختلاف مع آخرين داخل «بيت ربنا»، الذى من المفترض، كما يقول شعبان، أن تكون له قدسية خاصة، يحترمها الجميع.
يرى الرجل الكبير أنه من الأفضل «إبعاد بيت ربنا عن السياسية»، حتى لا يؤدى ذلك إلى تنفير الناس من الدخول إلى المسجد بسبب من يختلفون معهم، ويحاولون عرض وجهة نظرهم على رواد المسجد، موضحاً أن مسئولية التنفيذ تقع على عاتق وزارة الأوقاف، التى طالبها بضم جميع الزوايا الصغيرة وإخضاعها لإشرافها وتوفير إمام لكل زاوية تعينه بمعرفتها، حتى يلتزم بتعليماتها كما يحدث فى المساجد الكبرى.
المساجد الصغير أو زاويا الصلاة، تنتشر فى جميع الأحياء والمناطق داخل محافظات مصر المختلفة، ولا يخلو تجمع سكنى عشوائى كان أو متميزاً من هذه الزوايا الصغيرة، عادة ما يقصدها العشرات من أهالى المنطقة خمس مرات فى اليوم لأداء فريضة الصلاة، ينضم إليهم نفر من رواد المكان الذين جاءوا لقضاء حوائجهم، وتقام هذه الزوايا أسفل بعض العقارات، أو ترقد على مساحة منفصلة محدودة بجوارها، ومصادر تمويلها قائمة على الجهود الذاتية لأهل الخير والمترددين عليها، بعضها مسجل بوزارة الأوقاف، والبعض الآخر يتولى الإشراف عليه أحد المتطوعين من أهالى المكان الذى يوجد فيه المصلى.
فى إحدى الحوارى الضيقة بوسط البلد والمتفرعة من شارع 26 يوليو، توجد زاوية صغيرة يقصدها أصحاب المحلات وبعض زبائنهم لإقامة الصلاة فيها، تكسو جدرانها الخلفية لافتات صغيرة، تتنوع ما بين دعوات للمصلين لحضور الدروس الأسبوعية التى يلقيها خطيب بالمسجد، وأخرى مدون عليها أذكار الصباح والمساء، يصفها محمد المصرى، 38 سنة، أحد رواد المسجد، بأنها تهدف إلى تذكرة المصلين بالدروس والأذكار، موضحاً أن بعضها كان ممهوراً بشعار بعض القوى الإسلامية التى اندمجت فى السياسية بعد الثورة، وقام بعض المصلين بحذف هذه الشعارات، مضيفاً أن جميع رواد المسجد يرفضون وجود أى شعارات سياسية فيه، لكنه يرى أن إمام المسجد من ضمن دوره أن يقوم بتوعية الناس مما يحدث فى الشارع ونبذ الخلاف بينهم، ويجب عليه أن ينهى الناس عن عمليات التخريب التى يسعى إليها البعض، وتوعية الناس بخطورتها، لكن ليس من حقه أن يدعو المصلين إلى تأييد فصيل سياسى على حساب فصيل سياسى آخر تحت أى مبرر.
«الزوايا التى ينشئها أهل الخير تكون للصلاة»، هكذا تحدث مجدى حسن، 24 سنة، أحد رواد زاوية «أهل السنة» بمنطقة باب الشعرية، موضحاً أن الأهالى عندما تبرعوا لبناء هذا المسجد لم يكن هدفهم أن يكون منبراً تستغله بعض التيارات السياسية ذات التوجه الإسلامى أو غيرها لنشر أفكارهم وكسب تأييدهم لهم فى الانتخابات كما يروى، موضحاً أن هذا كان مقبولاً قبل الثورة فى ظل تضييق نظام مبارك الأمنى على الإسلاميين، أما الآن فالفرصة متاحة لجميع التيارات لتحدث الناس فى الشوارع ووسائل الإعلام، لذلك يجب أن يظل المسجد للصلاة والعبادة، دون أن يكون منبراً للسياسة.
أخبار متعلقة:
المساجد.. منصات سياسية
الأزهر: ألف عام من الوسطية .. ولا عزاء للمتشددين
"الشهداء" .. معقل المقاومة من العدو الإسرائيلي إلي مرسي ونظامه
"العارف".. قبلة المتظاهرين في الصعيد
عمر مكرم.. قليل من الدين كثير من السياسة
«أسد بن الفرات»: لا مانع من السياسة إذا كان المتحدث «أبوإسماعيل»
«القائد إبراهيم» تاريخ لا يعرفه الإخوان ولا المعارضة
«النور».. شاهد على ثورة يناير.. ونقطة انطلاق المظاهرات