«النور».. شاهد على ثورة يناير.. ونقطة انطلاق المظاهرات
بمجرد أن تطأ قدم الزائر مسجد النور بالعباسية حتى ينتقل إلى عالم آخر تختلط فيه روائح الورد والياسمين، التى تنطلق من الحدائق المنتشرة بالمسجد، بالأنوار الساطعة الخضراء لمئذنتيه، تغلفه هالة من السكون والراحة مرسومة على وجوه المصلين تشى بروحانية المكان، ولكن هذا الهدوء المخيم على المكان لا يخدع الزائر فهو لا ينسى أن هذه الدرجات القليلة المؤدية للمسجد نفسه كانت منذ عامين هى إحدى العلامات الفارقة فى صنع ثورة 25 يناير المجيدة، حيث انطلقت منها مسيرات المتظاهرين ضد النظام الديكتاتورى الجاثم على نفوس المصريين لمدة 30 عاماً.
«لا أنسى مشهد جنود الأمن المركزى وهم يبكون والشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية بالسويس يغنى نشيد بلادى ونحن نردده من ورائه»، أكثر مشهد يتذكره سيد محمد خلال المسيرة التى انطلقت من مسجد النور فى جمعة الغضب، تنساب دموع من عين سيد يحاول أن يخفيها قدر الإمكان، فعلى الرغم من عمله كبائع متجول أمام وداخل المسجد لأكثر من 13 عاماً، فإنه يعتبر أن ذلك المشهد هو أكثر المشاهد المؤثرة فى حياته.
سيد، 37 عاماً، الذى يعمل محاسباً بوزارة الزراعة نهاراً، لم يجد وهو يقبض 840 جنيهاً مرتباً شهرياً إلا الوقوف أمام فرشة داخل ساحة مسجد النور يومياً لمدة 12 ساعة يعرض عليها بضاعته المتمثلة فى مستلزمات المصلين من «سواك وطواقى وبخور وسبح» وغيرها، كحل لزيادة راتبه والإنفاق على أسرته الصغيرة بحدائق القبة، وهو ما جعله خير شاهد على انطلاق جموع المتظاهرين من المسجد عقب صلاة الجمعة يوم 28 يناير الذى حمل اسم «جمعة الغضب» بل والمشاركة فيها، واصفاً تلك المظاهرات بـ«البركان الذى انفجر بكلمات الله أكبر.. ثورة ثورة حتى النصر»، دون أى خوف من عساكر الأمن المركزى الذين أحاطوا بأسوار المسجد، «كان الشيخ حافظ سلامة ومعه صفوت حجازى يهتفون، والمصلون من ورائهم، ثم انطلقت المسيرة حتى وصلت إلى ميدان التحرير، وقرر المتظاهرون الاعتصام بالميدان»، يصمت سيد قليلاً متذكراً، فعندما عاد صباح يوم 29 يناير وفرش فرشته المعتادة بجانب أسوار المسجد أدرك لأول مرة فى حياته معنى كلمة ثورة.
من المشاهد الأخرى التى يتذكرها سيد خلال المسيرة التى انطلقت من أمام المسجد، أن أحد الضباط حذر رئيسه من أن المتظاهرين فى طريقهم إلى قسم الوايلى، فرد عليه رئيسه بحزم: «هنعمل إيه يعنى؟ دول مصريين زينا.. هنقتلهم؟!».
تدخل الدين فى السياسة هو ما يرفضه سيد رفضاً باتاً، فالسياسة لها مكانها والدين له مكانه، وكما يقول: «الدعاية الانتخابية التى يمارسها عدد من الأحزاب داخل المساجد مرفوضة، أو حتى عمل ندوات وفعاليات سياسية، فكلها تستخدم الدين لصالح خدمة السياسة وليس العكس». ولكن ذلك لا يمنع سيد من طرح مبادرة أن يزيد الدور الدعوى للمساجد بشكل أكثر من الموجود حالياً، لأنها ستساعد الناس فى معرفة ما أطلق عليه «الصواب والخطأ»، وفى الوقت نفسه تترك لهم حرية الاختيار معلقاً: «نفسى أعيش اليوم ده».
جامع النور تم إنشاؤه فى 25 ديسمبر عام 1972، على يد الشيخ حافظ سلامة بطل المقاومة الشعبية فى مدينة السويس، يصمم سيد على شرح الواقعة بالتفصيل فيقول إن «الشيخ حافظ كان يزور بعض أقاربه بميدان سفير بمنطقة مصر الجديدة خلال حرب الاستنزاف، وعند وصوله إلى القاهرة لاحظ عدم وجود مسجد طوال المسافة من ميدان رمسيس حتى مصر الجديدة، فاضطر أن يصلى فى حديقة بجوار كلية طب عين شمس، كانت مخصصة وقتها لجمعية الهداية الإسلامية التى يرأسها هو، ولذلك قرر إقامة المسجد فى نفس المكان بالجهود الذاتية من الأهالى وتبرعات أهل الخير».
أخبار متعلقة:
المساجد.. منصات سياسية
الأزهر: ألف عام من الوسطية .. ولا عزاء للمتشددين
"الشهداء" .. معقل المقاومة من العدو الإسرائيلي إلي مرسي ونظامه
"العارف".. قبلة المتظاهرين في الصعيد
عمر مكرم.. قليل من الدين كثير من السياسة
«أسد بن الفرات»: لا مانع من السياسة إذا كان المتحدث «أبوإسماعيل»
الزوايا خارج سيطرة "الأوقاف" .. دعاة متطوعون والسياسة "وجبة رئيسية"
«القائد إبراهيم» تاريخ لا يعرفه الإخوان ولا المعارضة