عدتُ بعد انقطاع نحو أسبوعين إلى متابعة القنوات الفضائية، ومساء الأربعاء الماضى كانت البداية القدرية مع أول «دوسة ريموت» هى قناة الجزيرة الوثائقية، لم أغير القناة؛ لأنها شدتنى بفيلم وثائقى من «لحم ودم»، باحثة غربية تعد رسالة علمية عن «مقاييس الجمال عبر العصور»، وكان هذا هو عنوان الفيلم، الذى يظهر فيه 3 أساتذة مصريين أحدهم كما ظهر تعريفه على الشاشة أستاذ الحضارات بجامعة الأزهر، والدكتورة هويدا صالح، مدرس فلسفة الفن وعلم الجمال بإحدى الجامعات الخاصة وهى روائية وناقدة أدبية، والدكتورة عزة رستم أستاذة علم المصريات، ومعهم بالطبع آخرون من إيطاليا وفرنسا.
ما شاهدته من الفيلم كان أكثر من رائع، لكن «وآه من هذه الـ(لكن)» أدهشنى ما قالته الدكتورة عزة التى يبدو وكأنها فجرت قنبلة عنقودية فى وجوه المشاهدين، قالت فى سياق الحديث عن الملكة كليوباترا، إن «كيلوباترا لم تكن جميلة كما يظن الكثيرون، بمقاييس الجمال الجسدى، ولم يكن وجهها جميلاً بالمرة» (تكاد تقول إنها كانت قبيحة)، وأكدت أن جمال كليوباترا كان فى ذكائها الحاد الذى أوصلها إلى التربع على عرش مصر، وأنها كانت الوحيدة من بين الملكات والملوك المصريين التى أجادت 7 لغات.
كل ذلك كان تمهيداً متدرجاً لما هو آتٍ.. فقد واصلت الدكتورة عزة خبيرة الحضارة المصرية القديمة حديثها بثقة وهدوء، لتلقى بالقنبلة قائلة: «لم تكن كليوباترا جميلة، بل إن أقرب الصور الحقيقية للملكة المصرية هى هذا التمثال الأغريقى النصفى الذى يشبه إلى حد التطابق وجه جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة»، وقبل أن تنهى كلامها تقوم الكاميرا بعمل «كلوز» على وجه الملكة المصرية كليوباترا، الذى يكاد يتطابق فعلاً مع وجه الصهيوينة جولدا مائير فى شيخوختها، وهى رابع رئيس وزراء للكيان الصهيونى المحتل وتولت رئاسة الحكومة الإسرائيلية منذ مارس 1967 بعد وفاة ليفى أشكول، وظلت ترأس الحكومة حتى أجبرها نصر أكتوبر المجيد، على تقديم استقالتها وترك السلطة مع بداية عام 74، ليخلفها صهيونى آخر وهو إسحاق رابين.
الخطورة من هذا التشبيه الذى أورده لنا صناع الفيلم موثقاً كما يبدو على الأقل للمشاهد غير المتخصص أنه يتماشى مع روايات إسرائيلية متكررة تصر على اقتصاص آثار من الحضارة المصرية القديمة ونسبها إلى يهود بنى إسرائيل، وهو أمر شديد الأهمية، لأن معنى ذلك ببساطة أن المصريين والإسرائيليين لديهم تاريخ حضارى مشترك، فما المانع من تطبيع العلاقات بين الشعبين؟
ربما أكون مخطئاً فى هذا التصور، الذى لم يمنع إعجابى بالفيلم.