اهتز ضمير أكبر سلسلة مقاهٍ فى العالم، شركة ستاربكس، للظروف القاسية التى يتعرض لها اللاجئون حول العالم وبالذات المقبلون من سوريا، وقررت توظيف 10 آلاف لاجئ خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك رداً على قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بمنع تدفق اللاجئين إلى الولايات المتحدة، ضمن القرارات الكثيرة والمستفزة للشعب الأمريكى والعالم التى اتخذها منذ دخوله البيت الأبيض قبل نحو أسبوعين.
هاولد شولتز، المدير التنفيذى لشركة ستاربكس الأمريكية، كان أكثر رأفة وإنسانية من الرئيس ترامب، الذى أصدر أمراً تنفيذياً يقضى بحظر دخول اللاجئين ومواطنى سبع دول يغلب على سكانها المسلمون إلى الولايات المتحدة، وأكثر مسئولية واكتراثاً من بعض الدول العربية رغم ما يقال من أن هذه الشركة تعود ملكيتها ليهود صهاينة يدعمون إسرائيل بالأموال بشكل دائم! فقد سارعت ستاربكس وأخبرت موظفيها فى خطاب من شولتز أنه سيبذل كل ما هو ممكن لدعم العاملين الذين تأثروا بهذا الأمر التنفيذى، وبذلك ينضم المقهى الشهير حول العالم لقائمة المعارضين الطويلة لسياسات ترامب العنصرية، فقد حطم الرئيس الأمريكى الرقم القياسى كأسرع رئيس يواجه رفضاً شعبياً فى غضون أيام قليلة من توليه الحكم، وفى الأحوال العادية فإن أى رئيس جديد يستغرق شهوراً حتى يبدأ شعبه فى تكوين الانطباعات السلبية حول سياساته، ويحدث توافق عام على رفضها، وهذا كان الحال مع الرؤساء الأمريكيين الخمسة السابقين، لكن مع ترامب الوضع لم يكن كذلك.
بعد ثمانية أيام من تسلمه مفاتيح المكتب البيضاوى ارتفعت نسبة معارضى الرئيس الأمريكى والراغبين فى رحيله عن المنصب إلى 51% من المواطنين، حسب استطلاع رأى أجراه مركز جالوب لاستطلاعات الرأى فى الثامن والعشرين من الشهر الماضى، قياساً بالخمسة رؤساء السابقين، فمثلاً استغرق بيل كلينتون 573 يوماً ليصل إلى هذه النقطة فى فقدان شعبيته، بينما استغرق رونالد ريجان 727 يوماً، أما باراك أوباما فاستغرق 936 يوماً، بينما قضى جورج بوش الابن 1205 أيام، أما بوش الأب فاستغرق 1336 يوماً، فنتائج الاستطلاع تعطى مؤشراً خطيراً على حالة الغليان التى تمور بها الولايات الأمريكية والسخط الشعبى تجاه سياسات الرئيس.
لم يكن الشعب الأمريكى الوحيد الذى يرفض القرار، فالاحتجاجات الشعبية ممتدة على مستوى العالم بسبب قرار ترامب، ويبدو أن الرئيس الأمريكى عاقد العزم على خطوته ولا يبالى بردود الفعل العنيفة التى تواجه قراره العنصرى، حتى إنه وفى خطوة استثنائية أقال المدعية العامة الفيدرالية بعد أن غيرت قرار البيت الأبيض وأوعزت للقضاة ألا يسمحوا بسريان مفعول تقييدات الهجرة التى حددها ترامب فى الأمر التنفيذى الرئاسى، لكن أكثر ما يثير الدهشة والاستغراب وسط عاصفة السخط والرفض الشعبى الأمريكى والدولى لسياسات ترامب موقف الزعماء العرب من القرار الذى يمسهم بشكل مباشر، لكن حسابات المصالح لها تدابير أخرى، فالرؤساء العرب معنيون بتعزيز العلاقات مع الرئيس الأمريكى الجديد، أملاً فى التغلب على الأوضاع المتردية التى تمر بها دول الشرق الأوسط، فليس فقط رؤساء الدول المشمولة بالحظر لا تعارض ترامب فحسب وإنما تأمل هذه الدول أن يكون ترامب مخلصاً لها فى مواجهة الخطر الإيرانى الداهم.
فقد جرت اتصالات عربية أمريكية مكثفة خلال الأسبوع، بين ترامب وقادة الدول العربية، وكان للملك عبدالله ملك الأردن اللقاء الأول فى عهد ترامب مع نائب الرئيس مايك بنس، وبدا التجاهل للقرار التنفيذى الذى أصدره ترامب واضحاً، بدليل البيان الذى أصدره البلاط الملكى ولم يتطرق فيه لقرار الحظر، فضلاً عن المحادثات الهاتفية للملك سلمان خادم الحرمين السعودى وولى عهد أبوظبى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الأمريكى، ووفقاً لوسائل الإعلام فإن الملك سلمان لم يتطرق أبداً إلى قضية الهجرة فيما أشارت وكالة أنباء الإمارات للموضوع قائلة إن ولى عهد أبوظبى محمد بن زايد قال فى حديثه مع ترامب إن التطرف والإرهاب ليسا معرفين من ناحية الدين أو الهوية؟!
لن يختلف الأمر بالنسبة لمصر على وجه التحديد، التى تكتوى بنار الإرهاب وأبدى معها ترامب تعاطفاً على نحو خاص، لذا من غير المتوقع أن يكون رد الفعل المصرى مختلفاً عن بقية الدول، خاصة أن مصر كانت تعانى حصاراً سياسياً واقتصادياً من الإدارة الأمريكية السابقة، وهى فى غنى عن إثارة أى خلافات مع الإدارة الحالية، سواء فيما يتعلق بقضية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس أو فى قضية حظر دخول مواطنى الدول السبع إلى أمريكا، رغم أن هناك تسريبات تفيد بأن قائمة جديدة من الدول سيعلن عنها قريباً سيكون من ضمنها مصر!
يبدو أن الزعماء العرب الذين يمقتون سياسة ترامب وشططه سراً، يغامرون حالياً بمصالحهم الاستراتيجية المشتركة، العهد الجديد فى واشنطن، وتعزيز العلاقات الملتبسة مع الرئيس الأمريكى الجديد المثير للجدل.