يتحدث عنه كل من يعرفه عن قرب بأنه من أكثر الشخصيات صلابة فى المواقف، وأكثرهم تعاملاً مع كل القضايا بمنظور أمنى، حتى بات فى «حماس» يطلق عليه «المهووس أمنياً»، يختلف معه كثير من قيادات الحركة، من بينهم محمود الزهار وغيره، حول العديد من قراراته الخاصة على المستوى العسكرى وإحداث تغييرات فى صفوف القيادات العسكرية لـ«حماس»، فقد فرض «السنوار» نفسه على قيادة الحركة بقوته التى كانت معروفة عنه قبل اعتقاله وحتى داخل السجن حين كان يفرض رأيه فى الكثير من القضايا على قيادة «حماس» داخل المعتقلات.
25 عاماً من السجن لم تغير فى شخصية يحيى السنوار، الذى انتخب مؤخراً رئيساً للحركة فى قطاع غزة، خلفاً لإسماعيل هنية، المرشح لرئاسة المكتب السياسى، يهابه الكثيرون فى «حماس»، الذين فوجئوا بعد أشهر قليلة من خروجه من المعتقل فى إطار اتفاق صفقة شاليط لتبادل الأسرى بين إسرائيل والحركة عام 2011، بنفوذه السريع داخل مؤسسات «حماس» حتى فى مكتبها السياسى ومجلسها العسكرى الأكبر بجانب محمد الضيف وأحمد الجعبرى قبل اغتياله، وبات واضحاً للعيان أنه مدعوم من المجلس العسكرى لـ«القسام»، فتولى مسئولية ملف الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس»، كما أنه عين حلقة الوصل بين الجناحين السياسى والعسكرى، ومن هنا زادت قوته وسطوته داخل الحركة، فأصبح من أكثر أصحاب النفوذ المؤثرين فى قرارات «حماس» حتى على قياداتها فى الخارج، فوصفته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بوزير دفاع حركة «حماس» نظراً لقربه من محمد الضيف، معتبرة أن «حماس» نفسها تهتز له.
لكن «حماس» تحاول طمأنة الشارع، وتؤكد أن «السنوار» رجل مصالحة، وسيطور العلاقة مع مصر، التى بدأها «هنية»، فهو رجل متمرس وواعٍ سياسياً ويسعى للمصالحة ويؤمن بالوحدة الوطنية والعلاقات مع الفصائل بدرجة لا تقل عن «هنية»، فمبادئها لا تتغير بتغير القائد، غير أن خروجه من رحم الجناح العسكرى يجعل التخوفات من مرحلته القيادية للقطاع أكثر قلقاً وتوجساً، فالمخاوف التى يبديها الغزيون من إحكام القبضة العسكرية لـ«القسام» على القطاع تتعاظم، وخلفيته العسكرية تشى بأيام صعبة وقاسية ستواجه أهل غزة، خاصة فيما يتعلق بالحريات والحق فى التعبير لأنه سيكون حكم عسكر يضاف لإشكالية حكم العسكر الغزاوى شديد القسوة والصرامة. يحيى السنوار رجل عسكرى بامتياز، واختياره لم يكن من الفراغ ولا نتيجة انتخابات الشورى التى تمت داخل الحركة، كما تقول «حماس»، بل إن اختياره جاء بعناية ويؤكد سيطرة الجناح العسكرى على قرارات الحركة السياسية بعد إحساسه بفشل السياسيين فى عدة مراحل والعديد من الملفات كفشل المفاوضات مع إسرائيل بعد حرب 2014، وعدم القدرة على اقتناص مكاسب، أو تحقيق نتائج سياسية بعد حروب مدمرة دفعت فيها أثماناً باهظة، فضلاً عن الموقف المهادن والمتردد من حكومة الوفاق الوطنى، ووضوح فشل المراهنة على الرئيس عباس، ومواقف «حماس» الأخيرة، ومنها حضور مؤتمر «فتح» السابع، فإبداء القيادة السياسية مرونة براجماتية أثار حفيظة التيار العسكرى والأمنى كون هذه السياسة لم تجد نفعاً أمام القيادة السياسية الفلسطينية، متمثلة بالرئيس أبومازن، كذلك أزمة التحالفات والتوجهات الإقليمية، إذ لم تستفد الحركة من دعم علاقتها بالسعودية فى حربها ضد الحوثيين فى اليمن، ولم تصل إلى تحالف بمعنى الكلمة، ولم تستفد من مواقفها الداعمة، وفى الآونة الأخيرة نشبت خلافات خفية بين قيادات الحركة بجناحيها السياسى والعسكرى، فكتائب القسام تميل إلى نسج علاقات واضحة ومتينة مع إيران وتوطيد هذه العلاقة لتعزيز القدرات العسكرية الحربية تحسباً لحروب جديدة مفاجئة، وهو ما يتعارض مع تحفظ القيادات السياسية أخذاً بالاعتبار المتغيرات السياسية والدولية فى المنطقة، بالإضافة إلى تصاعد أزمة رواتب موظفى غزة دون الوصول إلى حلول جذرية.
يبدو أن يحيى السنوار هو رجل المرحلة المقبلة فى حركة «حماس» الذى تراهن عليه القيادة العسكرية والأمنية فى انتهاج خط أكثر راديكالية وتطرفاً، يأخذ بعين الاعتبار التضحيات التى قدمها القطاع العسكرى والأمنى دون الحصول على مقابل يرونه حقاً لهم.