حين تكتب عن زوجتك، فإن الأمر لا يوجب أن تستدعي مخزونك العاطفي تجاهها، بمقدار ما يتطلب أن تستحضر الكامن فيك من إدراك فطري لأبجديات العلوم السياسة وما تقره هذه العلوم بنظرياتها من سبل إدارة الصراعات ومسائل توزيع الموارد والثروات والقوى.
فكلمة طائشة أو غير مقصودة في لفظها أو معناها أو محتملها، تنزل الزوجة من نفسك منزلة غير التي تتوقعها هي، أمرٌ يودي بك المهالك، حيث كنبة "الليفنج" في الصالة، تبيت لياليك الشتوية غضبان أسفًا، تتدثر لحافًا بائسًا ويتجافي جنبك عن المضاجع كلها.
وأشدد في مسألة زوجتي العزيزة (هبة أحمد) على هول ما يترتب على "الكلمة" كل "كلمة"، لأنني –ويالتُعس حظي- تزوجت شابةً تدرك من اللغة العربية وفنونها ومراميها ووحشي ألفاظها وضبابي مجازها، فوق ما أدرك أنا، فهي تحاسبني على اشتقاق غير سليم وتغلظ لي في الحساب على إعرابٍ خاطئ وتكاد تضطرني إلى أضيق السبل إذا ما تلعثمت في رواية بيت شعر أو قول مأثور، كأنها الوريث الشرعي لسيبويه في قبره.
فهي تدرك أنني أدرك الفوارق الطيفية التي تميز الحب عن العشق عن الغرام عن الصبابة عن الجوى، فلو صارحتها بمشاعري بواحدة من هذه الألفاظ لأدركت أنني أعني هذا اللفظ وليس سواه، وهي ككل النساء تخلق الأسئلة من الفراغ المطلق وأنت مطالبٌ طيلة الوقت بالدفاع عن نفسك، فلو قلت لها أحبك.. تقول: ألا تعشقني؟ ولو أقررت بالعشق لساءلتني عن نصيبها من الصبابة والجوى، وهكذا دواليك حتى أبلغ من اللغة منتهاها أو حتى يضطرني الزهق لأقرب مقهى بلدي قريب من البيت.
زوجتي قاصة وأديبة وتمارس الصحافة من حين لآخر، وهذا على ما يمنحها من رقة في الطبع ورمانسية في الخيال ولطف في مداولة الأمور، فهو يجعل منها قاضيًا صارمًا يتصيد لي كلمة ثناء طائشة بحق زميلة أو صديقة، قد يفهم منها مالا أقصد، وابن منظور والوجيز ومعاجم الضاد بيني وبينها حكمًا.
ففلانة "لطيفة" أمر يفرق كليًا عن قولي "أستلطف فلانة".
وهي مدربة على الاستنطاق كأنها ضابط بالمباحث الفيدرالية، تجرجرني في لحظات ضعفي (وضعفي حصرًا على السفرة والجوع يلدغني) كي تعرف كل ما جرى في يومي، وكأي زوج نصيبه من التفكير ساعة الأكل هو ذات نصيبه من عشق اللون الفوشيا، أقر وأعترف على أمل أن تتركني أنفرد بوجبتي الساخنة. فتقوم علي القيامة مرات عديدة في اليوم.
زوجتي هي قارئي الأول عادة، وضابطة لغتي ومقومة أخطائي (نحوًا وإملاءً)، وسامة بدني بملاحظاتها الموضوعية على ما أكتب، كأنها على رأسي نذير حرب.
وأراني والمساحة المخصصة للكتابة عنها تنتهي، وقد ضلت مني السياسة لصالح قولة الحق التي أعتنقها، لكن ما بين السياسة والحق تكمن حقيقة واحدة وجسر حصري يمكن أن يربطهما سويًا، وهو "الحب". وأنا أحب هبة.